لقد آن لهذه الإساءات أن تتوقف
أ.عدنان السمان
الإساءات إلى الإسلام والمسلمين، وإلى العروبة والعرب قديمة متجددة، بدأت بظهور هذا الدين منذ أربعة عشر قرناً،ولم تتوقف حتى يومنا هذا، ولا أعتقد أنها ستتوقف تمامًا، وإن كنت ميالاً إلى الاعتقاد بأنه من الممكن إلجامها، والتخفيف من حدتها، ومنعها من الظهور في وسائل الإعلام المختلفة ما استطعنا إلى ذلك سببلاً.
المسيئون إلى الإسلام وإلى رسول الإسلام، كُثرٌ في هذا الكون.. بدأ الإساءةَ كثيرٌ من العرب أنفسهم في زمن النبوة والراشدين ، وتوالت عبر العصور الأموية، والعباسية في المشرق العربي، وفي المغرب العربي، وبلاد الاندلس مرورًا بكل عقود الضعف والتمزق، ومرورًا بعصر بني عثمان أيضًا.. ولا أقول انتهاءً بعصرنا هذا لأنها على الأرجح ستستمر،وهذا أمر عادي في صراع الثقافات،ومعارك الأفكار والمعتقدات،وحروب الأيديولوجيات والديانات والقوميات،وهو أمر عادي أيضًا في الخلافات والمنازعات والخصومات والمشاحنات بين بني البشر في هذا الكون، ليس بين الأمم والأقوام المختلفة، وإنما داخل الأمة الواحدة، والقبيلة الواحدة، والعائلة الواحدة في كثير من الأحيان.
والمسيئون إلى الإسلام، وإلى رسول الإسلام من غير العرب كُثرٌ أيضًا ، فمنذ قيام دولة الإسلام، وانتشارها لتشمل معظم أقطار العالم القديم ظهر داخل الدولة الإسلامية من يناصب الإسلام والعروبة العداء الشديد، وظهر من يسيئون إلى العروبة والإسلام داخل الدولة وخارجها، واستمر هذا التيار حتى بعد انهيار دولة الخلافة الإسلامية، ووقوع كل بلاد العرب، وكل بلاد المسلمين تحت الحكم الغربي، وتحت ألوان مختلفة من الاستعمار، والاحتلال، والانتداب والغزو إلى الحد الذي قال فيه قائل أولئك الغزاة متحدَّيًا قبر صلاح الدين بدمشق، ومخاطبًا إياه بقوله: الآن انتهت الحروب الصليبية!!
على أن إساءات المسيئين إلى الإسلام، وإلى رسول الإسلام من بعض أبناء العروبة والإسلام هي – يقينًا – أشد وأدهى من إساءات غيرهم، فتلك الإساءات التي يمارسها اليوم بعض الغربيين يعرف الناس أسبابها ودوافعها، كما يعرفون أبعادها أيضًا.. أما تلك الإساءات الصادرة عن بعض أبناء العروبة والإسلام فإن الناس يتساءلون في ألم عن أسبابها وأهدافها، ويُعزّون أنفسهم بأن الجهل والطيش واندفاع الشباب وغروره هي أسباب تلك الإساءات التي لا تستمر طويلا ًبطبيعتها، بل إن نسبة كبيرة من هؤلاء الشباب سرعان ما يتغيرون تغيرًا شاملاً، ويتحولون إلى نقيض ما كانوا عليه تمامًا... وحتى إساءات بعض الغربيين من الصبية، والمراهقين، والمتشنجين، والمدفوعين – رغم قبحها- إلا أنها لا تكاد تكون شيئًا مذكورًا إلى جانب من يعتنقون الإسلام من مثقَّفي الغرب ومفكّريه، وإلى جانب من يناصرون القضايا العربية منهم، وعلى رأسها القضية الفلسطينية التي نجداليوم أن أكبر أنصارها، ومؤيديها، وجمهورها الفاعل هم من مواطني كثير من الأقطار الأوروبية، ليس فقط ممن ينحدرون من أصول عربية، وإنما من الأوروبيين، وليس فقط ممن يعتنقون الإسلام، أو ممن اعتنقوه حديثًا، وإنما من المسيحيين وأتباع الديانات الأخرى، ومن العلمانيين المحبين للعدل والحق والحرية.
بقي أن أقول إن العرب والمسلمين يتحملون مسئولية ما يحدث من إساءات للإسلام، ورسول الإسلام محمد عليه السلام " ادعُ إلى سببيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة" فالحكمة، والموعظة الحسنة، والنصح، والإرشاد، والخلق القويم، والخصال الحميدة، والثقافة الواسعة، كل هذا ، وغيره كثير من الصفات والمزايا لا بد من توافرها فينا – نحن العربَ والمسلمين – ممن نقيم هنا على أرض الوطن، وهناك في سائر أقطار الكون بعامة، وأقطار الغرب الأوروبي والأمريكي بخاصة... لا بد من توافر هذه الصفات فينا لأننا يجب أن نكون هكذا أولاً، ولأن هذه هي صفاتنا ومزايانا منذ القدم ثانيًا، ولأننا أصحاب رسالة إلى البشرية جمعاء ثالثًا، ولأننا أصحاب حق من الصعب أن يُستعاد بدون وقوف الناس في هذا العالم إلى جانبنا. ومن الصعب أن يقف الناس إلى جانبنا إلا إذا كنا أمة تحترم نفسها، وتتمتع بهذه الصفات والمزايا والمواصفات التي تقربنا من الناس في هذا العالم، وتقرّب الناس منا، وتجعلهم من المؤيدين لقضايانا العادلة.. إنه ليحزنني في هذا الموقف أن أقول إن بعض الأوروبيين الذين دخلوا في دين الله هناك في مختبرات بلادهم، وفي مكتباتها، وجامعاتها، ومراكز بحوثها وأبحاثها، ومنتدياتها الفكرية والثقافية قد ارتدّوا هنا عندما زارونا في بعض أقطارنا، ورأَوا بأم أعينهم ما رأَوا عن قرب!!
وبقي أن أقول أيضًا إنه إلى جانب هذه الصفات والمزايا التي لا بد أن تتوافر فينا لا بد أيضًا أن نكون أعزّة أقوياء، لأن الناس في هذا العالم لا يحترمون الأذلة الضعفاء.. قد يشفقون عليهم،ولكنهم- يقينًا – يحتقرونهم لأنهم فاشلون، ولأنهم راضون بالمهانة، والتبعيّة والمذلة... الناس في هذا العالم لا يمكن أن يحترموا شعبًا جائعًا لا يزرع أرضه، ولو زرعها قمحًا لعاش حياة سعيدة هانئة ! جزء بسيط من أرض العرب لو زُرع قمحاً لتغيرت المعادلات، ولأصبح العرب والمسلمون في حال غير هذه الحال... أمة العروبة والإسلام إذن مدعوة للأخذ بأسباب القوة كي تحافظ على أرضها، وثقافتها، وهُويتها، وحريتها، وكرامة رسلها وأنبيائها أيضًا. عندما تطاول أحد أباطرة الروم على أمير المؤمنين في بغداد كتب إليه قائلاً: من هارون الرشيد أمير المؤمنين إلى نكفور كلب الروم.. الجواب ما تراه، لا ما تسمعه، سأرسل إليك جيشًا أوله عندك، وآخره في منابت الزيتون!! أي في بلادنا هذه بلاد الشام، وهكذا كان!!.
أمر أخير- هنا – لا بد من الإشارة إليه، إنه حسنة من حسنات هذا الشعب المثابر الصابر المرابط الذي لم تتخلّ قواعده الشعبيّة، ولا نُخبه الثقافية وقياداته الفكرية والإعلامية عن شي من مبادئها وعقائدها ومعتقداتها، وقناعاتها وهي تخوض حربًا شاملة منذ أمد بعيد ضد المتطاولين والمسيئين والمجترئين علينا، الأمر الذي يجعلنا نعتقد أنه آن الآوان لهذه الإساءات أن تتوقف؛ إنه لمما يبعث الثقة في النفوس، والطمأنينة والأمل في القلوب ما نراه في صحافتنا العربية الفلسطينية، وما نقرأه فيها من مقالات تعالج كافة قضايانا ، وأوضاعنا، ومستقبل أجيالينا على أرضنا الطاهرة هذه... إنه لمن دواعي السعادة أن تجد في عدد واحد من أعداد "القدس"المقدسية" الصادر يوم الأحد الماضي أكثر من مقال يعالج قضية الإساءة إلى شخص الرسول الكريم. الأستاذ إبراهيم عفانه قدّم مقالاً تحت عنوان" " لماذا يهاجمون الرسول؟" والأستاذ عودة عريقات المحامي قدّم مقالته تحت عنوان " الإساءة لقدوة مليار مسلم عمل منافٍ لحرية التعبير" وكاتب حديث "القدس" قدّم حديثه تحت عنوان" كيف نرد على الإساءات في الغرب؟" ولقد أصاب الكاتب كبد الحقيقة في حديثه عندما قال: " في الدانمارك نشرت صحيفة رسومًا حاقدة كريهة مذمومة قبل نحو عامين، وثارت ضجة كبيرة في العالم الإسلامي، وإحراق مراكز"دانمراكية، ومقاطعة للبضائع، وزيارات متعددة قام بها مسؤولون كبار إلى بعض الدول العربيةوالإسلامية لإيضاح المواقف. وكانت الحجة المرفوضة هي حرية الرأي والتعبير ناسين مثلاً أن أحدًا لا يستطيع مجرد التشكيك بالمحرقة وإلا تعرض للسجن والمحاكمة والغرامات وفقدان الوظيفة على الأغلب، إن حرية الرأي تنتهي عند حدود الآخرين، وهذه هي القاعدة البدهية التي يتناساها هؤلاء الحاقدون"
مع تحياتي لمحرر"القدس" وكتّابها، وأسرة تحريرها جزاهم الله خير الجزاء.
19/2/2008
Be the filmmaker you always wanted to be—learn how to burn a DVD with Windows®. Make your smash hit
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق