عزيزتي .. عزيزي


ما أجمل أن نلتقيَ على كلمة طيبةٍ في كلَّ يوم ! ما أجملَ أن نلتقيَ لِنحقَّ حقا ، ونزهقَ باطلا ونحيي ثقافة ، وننصفَ مظلومًا ، وننقدَ واقعًا أليمًا ، ونوقدَ شمعة تمزق من حولنا الظلام .
أعزائي .. يا أنصارَ الحق ، وطلابَ الحقيقة ، ومحبي الخير والجمال أفرادًا ، وجماعاتٍ ، ومجموعاتٍ ، ومؤسساتٍ ، نساءً ، ورجالا ، فتية ، وفتيات .. يا كلَّ المؤمنين بحق شعبنا العربي الفِلسطيني في العيش باحترام ، وأمن ، وأمان فوق ثرى وطنه الغالي فلسطين .. ويا كلّ عشاق هذه اللغة العربية من أبنائها وبناتها ، ومعلميها ومُتعلميها .. يا كلّ شعبنا.. يا كلّ العرب .. يا كلّ المؤمنين بحق الشعوب في الخلاص من التبعية ، والاستعباد ، والاستبداد ، وبحقها في التحرر، والبناء ، والإعمار ، والسيادة على ترابها الوطني ... هذا موقعكم .. ستجدون فيه ما يسركم من فكر ، ورأي ، ومقال سياسي ، واجتماعي ، واقتصادي ، وثقافي ، ونقدي ، وأدبي .. ستجدون فيه نثرًا وشعرًا ، وقصة ، وحكاية ، وستجدون فيه كتبًا ، ومتابعاتٍ ، ومقابلاتٍ ، ومواجهاتٍ ، ومراسلاتٍ ، ومساجلاتٍ ..ستجدون فيه كثيرًا مما كتبتُ على امتداد العقود الماضية ، وبخاصة في " القدس " المقدسية ، والبيادر السياسي ، وغيرهما من مطبوعات هذه الديار وصحفها .. وسأوافيكم من خلاله بكل ما سأكتب ... مكتفيـًا في هذه المرحلة بالكتابة إليكم ، حتى إذا ما فرغتُ من إحياء ما لديّ من قديم( مخطوطٍ ومطبوعٍ) ووضعتـُه بين أيديكم في موقعكم هذا ، وتفرغتُ بشكل كامل للكتابة في قضايا الساعة فتحتُ المجالَ أمامكم للمشاركة ، والمساهمةِ ، والنقاش والحوار ، والأخذ والرد على غرار ما تفعله كثير من المواقع الرائدة التي نكنّ لها كل الاحترام ، وندين لها بالولاء والعرفان ، ونتقدم منها بالتحية والتقديروالامتنان .
أرحب بكم في موقعكم هذا .. موقع الأسرى ، والعمال ، والفلاحين ، والطلبة ، والمثقفين ، والكتـّاب ، والأدباء ، والشعراء .. موقع المؤسسات ، وكافة أحرار هذا الوطن وحرائره ..مثمنـًا وقوفكم إلى جانبي .. آملا أن يكون لي شرف الإسهام في خدمة الوطن والمواطن في بلادنا العزيزة فِلـَسطين .. وفي كل ديار العروبة والإسلام.
عدنان السمان
15/6/2008


الاثنين، ٢١ أيار ٢٠١٢

في حل الدولة وحل الدولتين.. ومفهوم السلام العادل أيضًا!!

         (نسخة مزيدة)

متابعات

في حل الدولة وحل الدولتين.. ومفهوم السلام العادل أيضًا!!

 

أ. عدنان السمان

www.samman.co.nr

     منذ قيامها في الخامس عشر من أيار من عام ثمانية وأربعين أصبحت "إسرائيل" دولة لمواطنيها اليهود.. أما من تبقّى فيها من مواطنيها العرب الفلسطينيين فلم يعودوا مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات مع المواطنين اليهود، ولعلهم لم يكونوا كذلك أيضًا قبل قيام هذه الدولة، وعلى امتداد فترة الانتداب البريطاني على فلسطين والبالغة إحدى وثلاثين عامًا.. أما في عهد بني عثمان، وعلى امتداد أربعة قرون بالكمال والتمام فلم يكن الأمر كذلك، بل ربما كان بخلاف ذلك.. ولقد كان الأمر كذلك أيضًا على امتداد القرون العشرة التي سبقت عهد بني عثمان منذ الفتح الإسلامي، مرورًا بعهد الأمويين والعباسيين.. أما في العهود التي سبقت الفتح الإسلامي فكانت هذه البلاد عربية في معظم الأحوال منذ عهد يبوس وكنعان وحتى أيام الفتح قبل خمسة عشر قرنًا من الزمان.

    كان لا بد من هذه المقدمة السريعة، وكان لا بد من الربط السريع بين الماضي والحاضر للوقوف على حقيقة ما جرى في فلسطين عام ثمانية وأربعين، وللوقوف على ما حلّ بعرب فلسطين في ذلك العام، حيث هُجّرت الغالبية العظمى منهم، وبقيت نسبة معيّنة منهم على أرضها يقّدر عددها اليوم بمليون ونصف المليون من العرب الفلسطينيين تشكّل عشرين بالمائة من مجموع سكان "إسرائيل" في هذه الأيام.

    وعلى الرغم من أن هؤلاء العرب الفلسطينيين هم أصحاب البلاد، وهم سكانها الأصليون منذ آلاف السنين، وعلى الرغم من أن الغالبية العظمى من اليهود قد جاءت إلى فلسطين خلال النصف الأول من القرن الماضي من مختلف الأقطار، ولا يزال باب الهجرة مفتوحًا، وعلى الرغم من صدور التشريعات الدولية التي تنص على حقوق الإنسان، وحرياته الأساسية، وحمايته في أوقات السلم والحرب على السواء... على الرغم من هذا كله، وكثير غيره إلا أن الوضع في "إسرائيل" شيء مختلف تمامًا حيث يعيش من تبقّى فيها من أهلها العرب الفلسطينيين حياة تختلف عن حياة اليهود بدعوى أن هذه " الدولة" لليهود فقط، وعليه فإن سكانها من غير اليهود لا يُعتبرون من مواطنيها، بل يعيشون في " تجمعاتهم" حياة من الدرجة الثانية، أو الثالثة بعيدًا عن المساواة في كل شأن من شؤون الحياة، حتى أن المدارس العربية هناك ليست مشمولة بنظام الحراسة، وحتى أن المجالس المحلية تواجه أعباءها ومسئولياتها دون موازنات، بل حتى أن المواطنين العرب لا يدخلون في كثير مما تقوم به مراكز البحوث والدراسات من أعمال مسحية وإحصائية حول أوضاع المواطنين الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والصحية.. وإن حصل ذلك أحيانًا فمن أجل بيان الفوارق الرهيبة بين هؤلاء العرب، وأولئك اليهود من سكان " الدولة" الواحدة.

    ولقد ظلت هذه الحال على ما هي عليه منذ قيام" إسرائيل" حيث الاهتمام الشديد باليهود، وحيث التركيز على يهودية الدولة لغةً وثقافةً.. على الرغم من كل هذه الفوارق السياسية والاجتماعية والثقافية القائمة بين اليهود الذين جاءوا إلى هذه الديار من بلاد العرب المختلفة، وأولئك الذين جاءوا من شرق أوروبا، ومن غربها، وأولئك الذين جاءوا من إفريقيا، ومن كثير من أقطار آسيا، ومن الولايات المتحدة الأمريكية.... ولأن "إسرائيل" دولة يهودية، فقد راحت هذه الدولة توحد بين هؤلاء القادمين إليها من مختلف الأقطار والبيئات، والثقافات، والمستويات الفكرية، والعلمية، والمسلكية، والأخلاقية، والاقتصادية.. وراحت تجمعهم على ثقافة جديدة، وفكر جديد.. وراحت تضع يدها على كل شيء في هذه البلاد، وراحت تغير أسماء المدن والقرى والجبال والأنهار والسهول والمواقع الأثرية والتاريخية.. كما راحت تغير جغرافية البلاد وملامحها وطابعها العام بحيث يبدو غربيًّا لا علاقة له بهذه المنطقة من العالم ..في الوقت الذي تبنّت فيه لنفسها كل شيء في هذه الديار بدءًا بالأزياء الشعبية، وأكلة الفلافل.. ولا أقول انتهاءً بذلك الحجر الأموي العربي الذي انتُزع من مكانه في محيط المسجد الأقصى من الجهة الجنوبية الغربية لتضعه المروحية التي حملته في ساحة " الكنيست" الإسرائيلي، وقد كتبوا عليه أنه من عهد الهيكل الثاني!!!

     إنه، وبعد إصرار القيادات المتعاقبة في "إسرائيل" على التمسك الشديد بيهودية هذه الدولة، وبعد إصرار هذه القيادات المتعاقبة على وضع يدها على الغالبية الساحقة من ملايين الدونمات من الأراضي الزراعية وغير الزراعية التي يمتلكها المواطنون العرب، وبعد إصرار هذه القيادات على إهمال الشأن الخاص والعام للمواطنين العرب في " إسرائيل"، وبعد إصرار هذه القيادات (منذ قيام هذه "الدولة") على تصوير الأقلية العربية في " إسرائيل" على أنها أقلية غريبة غير مرغوب فيها في هذه الدولة اليهودية، فإن هذه القيادات المتعاقبة تريد أن تقرر حقيقةً واضحة هي أن "إسرائيل" لا يمكن أن تكون دولة لشعبين، بل إنها دولة للشعب اليهودي وحده.. وهكذا حرصت هذه القيادات المتعاقبة في "إسرائيل" على رفض عودة اللاجئين الفلسطينيين، وعلى رفض اقتراح الدولة العلمانية الديمقراطية، وعلى رفض كافة المقترحات التي تطالب أن تكون هذه الدولة ثنائية القومية، وهكذا أسقطت هذه القيادات حل الدولة، وعاشت في عزلةٍ من الفراغ السياسي، والاضطراب، والعزلة الدَّولية سنواتٍ طوالاً،إلى جانب الحصار الذي كانت تفرضه عليها أقطار الجوار، أو دول الطوق كما كان يحلو لبعضهم أن يسميها.. هذا الحصار الذي فرضته عليها الجامعة العربية بما انطوى عليه من إجراءات المقاطعة الصارمة التي فرضها مكتب المقاطعة، إلى أن لاح في الأفق ما أسموه حل الدولتين الذي وجدت فيه أطرافٌ كثيرة من أطراف الصراع فرصةً ذهبية للخروج من المآزق السياسية التي عصفت بهذه المنطقة من العالم منذ قيام"إسرائيل"، كما وجدت فيه هذه الأطراف فرصة من الصعب أن تتكرر لحل هذه القضية الفلسطينية حلاًّ "عمليًّا" يبدو مقنعًا، ويبدو معقولاً على الرغم من المشكلات والعقبات التي ينطوي عليها، والتي من الممكن أن تتم تسويتها بالنوايا الحسنة، والرغبة الصادقة في التوصل إلى حل لهذه القضية المزمنة... أما الطرف الإسرائيلي فقد وجد فيه فرصته لاعتراف سائر أطراف الصراع بكيانه الذي أقيم عام ثمانية وأربعين على نحو ثمانين بالمائة من مساحة فلسطين التاريخية، ووجد فيه فرصته للخلاص من الأقلية العربية الفلسطينية في هذا الكيان، ووجد فيه فرصته لاعتراف دولي أممي بهذا الكيان دولةً يهودية خالصة، والدخول من أوسع الأبواب في مفاوضات حول " الضفة الغربية" لا يمكن أن تسفر في نهاية المطاف إلا عن إلحاقها بهذا الكيان أرضًا بدون سكان.

    ولا بد قبل الخوض في هذا الحل، وملابسات نشوئه من الإشارة "فلسطينيًّا" إلى حل الدولة التي يصر اليهود في "إسرائيل" على فشله.. فالعرب الفلسطينيون في "إسرائيل" يصرون على تحقيق المساواة بغيرهم من سكان هذه الدولة، ويطالبون بالحصول على المواطنة الكاملة، ويؤكدون على أن هذه المواطنة الكاملة ليست مِنّةً أو معروفًا، وإنما هي حق ثابت لا يرقى إليه شك.. إنهم مواطنون قبل قيام هذه الدولة على أرضهم، وهم مواطنون قبل أن تأتي الغالبية العظمى من اليهود إلى هذه الديار، ولقد كانوا الأكثرية قبل قيام "إسرائيل" في حين كان اليهود الفلسطينيون أقلية تحظى بالمواطنة الكاملة في فلسطين.. كما يؤكد العرب الفلسطينيون في "إسرائيل" على حقهم في اللجوء إلى المحاكم لحماية حقوقهم الثابتة في بلادهم، وفي ديارهم، وعلى تراب وطنهم.. كما يؤكدون إصرارهم على التصدي لكل محاولات الانتقاص من هذه الحقوق، أو الاعتداء عليها، أو تجريدهم منها، وإصرارهم على البقاء في ديارهم دون أدنى التفات لما يقال بين الحين والآخر من محاولة نقلهم إلى دولة الفلسطينيين التي يقولون إنها سوف تقام إلى جانب"إسرائيل" دولة الشعب اليهودي تحقيقًا لرؤية (ذلك الذي ألحق الكوارث والنكبات بكثير من أقطار العروبة والإسلام، وبكثير من أقطار هذا الكون، إن لم يكن بالكون كله) حل الدولتين للشعبين!! إن أولئك العرب الفلسطينيين الذين يصرون كل الإصرار على البقاء في ديارهم ومدنهم وقراهم، وعلى أرضهم أرض الآباء والأجداد يرون ضرورة أن تُجرى انتخابات لجنة المتابعة العربية بطريقة مباشرة بصفتها "برلمانًا" للأقلية العربية، وإن كان كثير منهم يتخوفون من عواقب عمل كهذا، ويشككون في جدوى انتخاباتٍ كهذه تفرز جسمًا هزيلاً بدون صلاحيات.

   وكذلك، فان اللاجئين والمهجرين الفلسطينيين الذين أُخرجوا من ديارهم عام ثمانية وأربعين يصرون على العودة إلى تلك الديار بموجب القرار 194.. كما يطالب هؤلاء الفلسطينيون بضرورة تطبيق سائر قرارات المجتمع الدولي بشأن القضية الفلسطينية.

    أما عرب القدس، فإنهم يصرون من جانبهم على ضرورة خروج الاحتلال من هذه المدينة حتى حدود الرابع من حزيران شأنهم في ذلك شأن أهالي الضفة الغربية المحتلة منذ عام سبعة وستين.. وهذا يعني أن الفلسطينيين يصرون على ضرورة الانسحاب الإسرائيلي الكامل من هذه الضفة، وضرورة وقف أعمال الاستيطان، وإجلاء المستوطنين عن هذه الديار.

    إن رفض اليهود لحل الدولة الواحدة هو الذي يقف حجر عثرة في سبيل تحقيق هذه الفكرة، وحل القضية الفلسطينية حلاًّ سلميًّا على هذا الأساس على الرغم مما قد ينطوي عليه هذا الحل من إجحاف بكثير من الحقوق الفردية والجماعية للفلسطينيين العرب من مواطني هذه الدولة.

    ونظرًا لأن هذه القضية الفلسطينية قد ظلت تلقي بظلالها على الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية في هذا العالم، ونظرًا لأنها ظلت تفرض نفسها، وتلقي بثقلها على كافة الأنظمة العربية في سائر أقطار العروبة، ونظرًا لإصرار الفلسطينيين جميعًا على ضرورة حل قضيتهم حلاًّ عادلاً يعيد الحقوق إلى أصحابها، ونظرًا لأن "إسرائيل" قد تمكنت في حرب الخامس من حزيران من إلحاق هزيمة قاسية بالأنظمة العربية التي تؤازر الفلسطينيين، وتقف إلى جانبهم لاستعادة حقوقهم في وطنهم السليب بشتى الوسائل والسبل، ونظرًا لحالة اليأس والإحباط التي تسربت إلى نفوس كثير من القادة  الفلسطينيين الذين آمنوا بالكفاح المسلح وسيلةً لتحرير فلسطين... نظرًا لهذا كله،  وكثير غيره فقد بدأ حديث كثير من القادة الفلسطينيين، وكثير من القادة العرب في أعقاب هذه الهزيمة يتمحور حول إزالة آثار العدوان، وضرورة الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي العربية المحتلة... صحيحٌ أن لاءات الخرطوم قد نصّت صراحةً على أنه لا صلح مع إسرائيل، ولا اعتراف بها، ولا مفاوضات معها، وصحيح أن كثيرًا من الفلسطينيين والعرب قد ظلوا على سابق مواقفهم المعلنة من إسرائيل ... ولكنْ صحيحٌ أيضًا أن كثيرًا من القادة الفلسطينيين، وكثيرًا من القادة العرب، وكثيرًا من قادة الدول المتنفّذة في هذا العالم قد أخذوا يتحدثون صراحةً عن انسحاب إسرائيلي من أراض عربية محتلة.. وصحيح أيضًا أن شعار تحرير فلسطين لم يعد يُسمع، ولم يعد يتردد في وسائل الإعلام العربية، وعلى ألسنة كثير من القادة العرب والفلسطينيين.. وصحيح أيضًا ان اللقاءات والمفاوضات السرية بين كثير من القادة الإسرائيليين والفلسطينيين قد أخذت تُدار عن طريق الوسطاء تارةً، وبدون وسطاء تاراتٍ أخرى قبل زيارة السادات للقدس، وقبل توقيع اتفاقات كامب ديفيد بزمن طويل!!!

    معنى هذا كله أن التفكير بإقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة( بعد انسحاب الإسرائيليين) بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية قد أخذ بالتبلور في أعقاب هزيمة حزيران من عام سبعة وستين مرورًا بأعمال المقاومة الفلسطينية المسلحة التي أعقبت تلك الهزيمة، ومرورًا بالموقف العربي المؤيد للمنظمة ممثلاً شرعيًّا وحيدًا لشعب فلسطين في قمة الرباط في العام الرابع والسبعين من القرن الماضي، ولكن ما حصل بعد ذلك، وما تمخضت عنه اتفاقات اوسلو هو نشوء سلطة فلسطينية لم تتجاوز حدود الحكم الذاتي المحدود بعد قرابة عشرين عامًا من نشوئها دون انسحاب إسرائيلي من شبر واحد من الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام سبعة وستين، ودون أن يلوح في الأفق أي دليل على نية أي من الإسرائيليين يسارهم ويمينهم ووسطهم للانسحاب من قرية واحدة أو شبر واحد من أرض الضفة الغربية، أو من يهودا والسامرة كما يسميها الإسرائيليون الذين يحتفظون فيها بقيادة عامة، وقواعد عسكرية( تشرف إشرافًا كاملاً على كل صغيرة وكبيرة مما يجري فيها من كافة أوجه الحياة اليومية، وتنفّذ كافة المخططات والأوامر والتعليمات والقرارات الصادرة عن القيادة العسكرية في "إسرائيل" بشأن قضم الأرض، ومصادرتها، وتغيير معالمها، والسيطرة عليها بشتى الوسائل والأساليب، والتضييق على العرب الفلسطينيين، والإمعان في عزلهم وحصارهم وهدم بيوتهم وإحباطهم ليسهل اجتثاثهم من هذه الأرض في الوقت المناسب)كما يحتفظون فيها بإدارة مدنية، وبمئات المستوطنات التي تضم أكثر من نصف مليون مستوطن حتى الآن.. لقد حصل كل هذا،  وتمت السيطرة على أرض الضفة الغربية بفئاتها الثلاث ("أ" و"ب" و"ج") قبل أن يطل علينا شبح نتانياهو وليبرمان وغلاة اليمين المتشدد، وقبل أن يصعدوا إلى سدة الحكم في "إسرائيل"، وقبل أن يدخلوا مع الفلسطينيين في هذه المفاوضات القائمة على المناورات والمراوغات، والتي تضاعفت فيها أعمال المداهمات والمصادرات والاستيطان أضعافًا مضاعفةً، وتضاعفت فيها أيضًا أعداد المستوطنين، وقبل أن يتبادل الجانبان الإسرائيلي والفلسطيني منذ أيام هذه الرسائل التي لن تُغير من واقع الأمر شيئًا.

    إن الإدارة الأمريكية السابقة بما اشتملت عليه"رؤى" رئيسها الذي حاول جاهدًا تحقيق شيء من النجاح على صعيد فلسطين، والقضية الفلسطينية يغطي به على الفشل الذريع الذي لحق بسياسته في العراق وأفغانستان، ويصرف به الأنظار عما يوجهه لإيران وسورية وكثير من اللبنانيين والفلسطينيين من تهديدات وإنذارات واتهامات .. تلك الإدارة، ورئيسها ذاك تحديدًا هو الذي كان وراء ما سُمّي بحل الدولتين لهذه الأسباب التي مر ذكرها، ولأسباب أخرى تتلخص في تقديم "خدمة" لأصدقائه اليهود الذين لا يسعدهم وجود هذه الأقلية العربية الفلسطينية في "إسرائيل" ولا ينظرون بارتياح إلى وجود مليون ونصف المليون من الفلسطينيين العرب(ممن يسميهم كثير من اليهود بالقنابل الموقوتة) بينهم... وعليه، فقد وجد أولئك الحلفاء في حل الدولتين فرصة ذهبية للخلاص منهم إضافة إلى الخلاص من هذه القضية المزمنة التي أزعجت الدنيا بأسرها، وحلها حلاًّ في ظاهره الرحمة بإقامة دولة للفلسطينيين إلى جانب دولة اليهود "إسرائيل".. ولكن أحدًا لم يسأل تلك الإدارة، ورئيس تلك الإدارة أين ستقام تلك الدولة، والمستوطنون اليهود يسيطرون على مساحات واسعة من أراضي الضفة الغربية يقيمون عليها مستوطناتهم، ويسيطرون على مساحات أخرى يقيمون عليها مزارعهم ومصانعهم ومحمياتهم الطبيعية، ويسيطرون على مساحات إضافية لشق شوارعهم الالتفافية التي يحاصرون بها مدنًا وقرًى وتجمعات للفلسطينيين من جهة، ويصنعون التواصل الجغرافي بين مستوطناتهم بحيث تظهر تلك المستوطنات وكأنها هي الأصل، وتبدو القرى والمدن العربية الفلسطينية وكأنها الاستثناء، ويسيطرون على مساحات إضافية ثانية لأعمال الجدار والأسوار والبوابات والمعابر التي يحاصرون بها مدن الفلسطينيين وقراهم، كما يسيطرون على مساحات إضافية ثالثة ورابعة وخامسة لتوسيع مستوطناتهم، وإقامة مستوطنات جديدة كي يصبحوا قادرين على استقبال مستوطنين جدد، وقادرين على مواجهة الزيادة الطبيعية  في أعداد هؤلاء المستوطنين، ولتوسيع حدود القدس الكبرى ومستوطنات جبل أبو غنيم، وأدوميم التي تزيد مساحتها كثيرًا عن مساحة تل أبيب، في الوقت الذي تُهدم فيه بيوت كثير من العرب الفلسطينيين في القدس والخليل وسائر مدن الضفة الغربية وقراها، بل وفي كثير من المدن والقرى العربية الفلسطينية في "إسرائيل" ولا سيما في منطقة النقب البالغة مساحتها أحد عشر ألفًا من الكيلومترات المربعة، أي أربعين بالمئة من مساحة فلسطين التاريخية، بدعوى أن هذه الأبنية غير مرخصة، فإذا قال قائل إن الناس في هذه المدن والقرى قد تقدموا بطلبات للحصول على تراخيص البناء دون أن يستجاب لطلباتهم لأسباب معروفة قالوا: هذه بلادنا نفعل فيها ما نشاء!!!

    نعم.. لم يسأل أحدٌ تلك الإدارة ورئيسها الذي كان: أين ستقام تلك الدولة في الوقت الذي يضع فيه المستوطنون اليهود أيديهم على كل شيء، ويبيحون لأنفسهم فعل كل شيء، وفي الوقت الذي يحاصرون فيه الفلسطينيين، ويضيّقون عليهم، ويضعون أيديهم على مصادر رزقهم وعملهم.

    وكذلك فإن أحدًا لم يسأل: كيف ستقام تلك الدولة في الوقت الذي يعلن فيه المستوطنون جهارًا نهارًا أنهم لا يمكن أن يغادروا "يهودا والسامرة" فهي جزءٌ لا يتجزأ من أرض إسرائيل، وفي الوقت الذي يؤكد فيه هؤلاء المستوطنون أنهم يملكون القوة الكافية لمواجهة القوة التي قد تحاول إخراجهم من "الضفة الغربية" مهما كانت تلك القوة، ومهما كانت طبيعتها.

    ولم يسأل أحدٌ: متى ستقام تلك الدولة في الوقت الذي أعلن فيه قادة إسرائيل دون استثناء أنهم يرفضون فكرة الجداول الزمنية، وأنهم لا يستطيعون العمل تحت ضغط جداول كهذه.. وإذا كان هذا هو الذي حصل في الفترات التي سيطر فيها أنصار اتفاقات أوسلو على الحكم في"إسرائيل" فما الذي من الممكن أن يحدث اليوم بعد أن سيطر اليمين المتشدد على مقاليد الأمور فيها؟؟

    أغلب الظن أن دولة كهذه لن تقوم في هذه الديار للأسباب التي مر ذكرها، وأغلب الظن أن حل الدولتين كان منذ تبلوره في عهد الإدارة الأمريكية السابقة ورئيسها بالتحديد مجرد كلام نظري غير قابل للتنفيذ؛ فلا العرب الفلسطينيون بخارجين من الجليل والمثلث والنقب تحت أي ظرف، ومهما كانت النتائج، ولا المستوطنون اليهود في الضفة الغربية بخارجين من مستوطناتهم في قلب القدس والخليل، ومن مستوطناتهم في أدوميم وأرئيل وكريات أربع وغيرها من المستوطنات في الضفة الغربية.

    إن فلسطين التاريخية هي وطن الفلسطينيين جميعًا يشهد بذلك تاريخ هذه البلاد، وتشهد بذلك جغرافيتها، وجبالها، وسهولها، وتشهد بذلك آثارها في الوقت الذي يبحث فيه غيرهم عن حجر تحت الأقصى أو حوله من كافة الجهات يثبتون به صلتهم بهذا المكان فلا يجدونه، وفي الوقت الذي يبحث فيه غيرهم عن زيٍّ أو أكلةٍ أو رقصةٍ أو أغنيةٍ أو قصةٍ أو حلمٍ أو نجمةٍ أو غيمةٍ تعرفهم فلا يجدون إلى ذلك سبيلاً.

    إن على كل من يعنيهم أمر هذه المنطقة من العالم، وعلى كل من يعنيهم أمر السلام العادل الدائم الشريف المتكافئ في هذه الديار أن يعملوا من أجل تقديم الضمانات العملية المقنعة بعدم تكرار ما حل بالفلسطينيين على امتداد أكثر من ستين عامًا.. ضمانات بعدم تكرار التجربة الأليمة في جنوب إفريقيا أواسط القرن الماضي، وضمانات بعدم تكرار التجربة الأليمة في قطاع غزة، ولا سيّما ما يحصل هناك منذ مطلع العام التاسع من هذه الألفية الثالثة.

    الفلسطينيون يريدون ضمانات دولية تمكّنهم من العيش في بلادهم بأمان واحترام .. يريدون ضمانات بعدم التفكير بتهجير عرب"إسرائيل" من ديارهم إلى أي مكان آخر، وتحت أي سبب من الأسباب.. يريدون ضمانات بعدم الالتفاف على حق العودة، وتغيير مساره واتجاهه تارة باقتراح عودة بعض اللاجئين إلى الضفة، وطورًا باقتراح عودةٍ تكتيكيةٍ لبضعة آلاف منهم إلى "إسرائيل" في إطار جمع شمل العائلات.. الفلسطينيون يريدون العيش في بلادهم فلسطين بسلام واحترام بعيدًا عن النموذجيين الرهيبين في جنوب إفريقيا، وفي قطاع غزة..وبعيدًا عن هذا الواقع المر في الضفة الغربية، وبعيدًا عن سياسة الغطرسة، والإملاءات، والاستخفاف بحقوق الآخرين وعقولهم.. وبعيدًا عن سياسة الاستغفال والتزوير والكمائن التي أثبتت تجارب الشعوب عقمها وفشلها.

    إن السلام العادل الشامل الدائم الشريف المتكافئ الذي يعيد الحقوق إلى أصحابها هو هدف شعوب هذه المنطقة التي تطمح إلى حياةٍ آمنة كريمة مستقرة يسودها الأمن والأمان، وترفرف عليها رايات المحبة والتسامح والعدالة والعيش الكريم.. وإن هذا السلام لا يمكن أن يتحقق إلا إذا كان مقنعًا يعيد الحقوق إلى أصحابها.. وبغير ذلك لن يكون سلام، بل مضيعةٌ للوقت دون طائل، وتأجيجٌ لعوامل الصراع التي من شأنها أن تؤسس لمزيد من الحروب وأعمال العنف المدمرة التي لا يعلم مدى أخطارها، وأضرارها، وكوارثها البشعة الرهيبة إلا الله.

   وبعد، فإنه، وعلى الرغم من أن ذاك الذي أسمَوه حل الدولتين لم يضمن – ولو نظريًّا -  الحد الأدنى من حقوق الفلسطينيين الثابتة في بلادهم فلسطين، ومع ذلك فقد رضي كثيرٌ من الفلسطينيين به، واعتبروه إنجازًا، بعد أن كانوا قد رفضوا على امتداد العقود السبعة الماضية حلولاً أقل سوءًا منه بكثير، وبعد أن كانوا قد رفضوا منذ بدء الصراع أن يكون للآخرين أدنى وجودٍ في بلادهم، أو أدنى تأثيرٍ على سيادتهم الكاملة على أرض فلسطين.

   ولم يكن كثيرٌ من الفلسطينيين داخل فلسطين وخارجها مقتنعين بأن هذا الحل (حل الدولتين) سيحظى بأدنى نجاح، لا لأن كثيرًا من الفلسطينيين يرفضونه، ولا يرون فيه إحقاقًا لشيءٍ من حقوقهم وثوابتهم، ولكن لأن الآخرين هم الذين يرفضونه، لأنه يتعارض مع أفكارهم ومبادئهم، ويتناقض مع طبيعة الدولة التي يريدونها في قلب ديار العروبة، ويتناقض مع سياسة المراحل والمناورات والمراوغات التي انتهجوها منذ بدء الصراع، وحتى يومنا هذا.

   واليوم، وبعد أن سد الآخرون جميع الأبواب والمنافذ في وجوه الموافقين على حل الدولتين، وبعد أن أيقن هؤلاء الموافقون على هذا الحل، وعلى أي حلٍّ قد يتقدم به الآخرون، وبعد أن أيقنوا أن هؤلاء الآخرين لا يريدون حلاًّ قائمًا على أدنى شراكةٍ، أو وجودٍ فاعلٍ لأحدٍ على أي جزءٍ مهما كان ضئيلاً من هذه الديار، وبعد أن ثبت لهؤلاء أن الغرب بشقيه عاجزٌ تمامًا عن فعل شيءٍ للفلسطينيين باستثناء فتات الموائد، والمجاملات التي لا تقدم ولا تؤخر، ولا تسمن ولا تغني من جوع، وبعد أن أدركوا هذه الحقائق التي كان يدركها جيدًا كثيرٌ من الفلسطينيين منذ البداية، وبدلاً من الاعتراف بأخطاء الماضي، والعودة إلى وحدة الصف والموقف والهدف والإجماع الشعبي، وبدلاً من العودة إلى ثوابت هذا الشعب وقناعاته، وبدلاً من العودة بالقضية إلى بعديها العربي والإسلامي، وبدلاً من العمل الجاد على إنهاء هذا الانقسام القاتل في الصف الفلسطيني، وبدلاً من فعل أي شيءٍ يؤثر إيجابًا على سير الأمور والأحداث في هذه الديار، ويعيد هذا الشعب إلى وحدته وتلاحمه وثوابته، وإصراره على إحقاق حقوقه، فقد راح بعضهم يخوّف هؤلاء الآخرين (الذين لا يريدون حل الدولتين) من سوء العاقبة، وراح هذا البعض يتحدث عن البدائل، ويتحدث عن عودة ملايين الفلسطينيين إلى الدولة الواحدة التي ستكون البديل لحل الدولتين!! ولقد نسي هذا البعض أن الآخرين الذين يرفضون "التنازل" الفعلي عن أي شبرٍ من هذه الديار لأحدٍ قادرون على رفض هذه البدائل، وقادرون على فرض تصوراتهم وحلولهم، وقادرون على التحكم بسير كافة الأمور، وكافة القضايا المتفرعة عن هذه القضية التي كانت قضية العرب الأولى ذات يوم، إذا استمرت الحال على هذا المنوال.

   إن كافة أشكال التحذيرات والتهديدات المبطنة وغير المبطنة لن تردع هؤلاء، ولن تحدّ من أطمـاعهم في كل هذه الديار، وفي غير هذه الديار ما دام الواقع هو الواقع، وما دامت الحال هي الحال، والخلاف هو الخلاف، وما دام التمزق والتشرذم والتناحر والتباغض والتخاصم والخلاف والاقتتال والاحتراب بين الأهل والإخوة في الوطن الواحد سيدَ الموقف، وما دام الفلسطينيون والعرب مجموعاتٍ وجماعاتٍ وأحزابًا وشيعًا وقبائل يحارب بعضها بعضًا، وما دام الفلسطينيون والعرب أتباعًا وتوابع للأجنبي، وأدواتٍ طيعةً في يده لشن الحرب التي يحدد مكانها وزمانها وأهدافها على أي جزءٍ من أرض العرب بهدف إخضاعه وتركيعه وإعادته إلى عهود الإقطاع والاستعمار والاستبداد والاستعباد والتبعية لكل أعداء العروبة والإسلام!!

   وإن كافة أشكال النصائح المجانية التي قد يسديها بعضنا لهؤلاء لن تجدي أدنى نفعٍ مهما كانت دوافعها وأهدافها.. فهؤلاء قد أعلنوا منذ أمدٍ بعيدٍ ما يريدون، وهؤلاء قالوها بصريح العبارة إنهم أهل هذه الديار، وإنهم قادة هذه المنطقة في حروبها القادمة، وهم من يحددون لهذه الأمة أعداءها وأصدقاءها وقياداتها أيضًا.. وهم من يصنعون شكل مستقبل هذه الأمة العربية على كل أرض العرب، وهم من يتحكم بزراعة العرب وصناعتهم ومناهج مدارسهم وجامعاتهم وإنتاجهم واستهلاكهم، وكل مظاهر حياتهم وخباياها وخفاياها.. وما دام الأمر كذلك، فلن يجدي نفعًا كل هذا الكلام، ولن يجدي نفعًا كل هذا التنظير، ولن يجدي نفعًا إلا ما كان قائمًا على الفعل، وعلى مبدأ التعامل بالمثل، وعلى مبدأ العين بالعين والسن بالسن، ولن يجدي نفعًا أيضًا إلا الإصرار على تحقيق الأهداف بعد تحديد هذه الأهداف، وتحديد الجهات والهيئات والأطراف، فلكل أمةٍ أهدافها، ولكل معادلة طرفاها أو أطرافها، ولكل نصرٍ أسبابه، ولكل عودةٍ مقوماتها، ولكل شعبٍ غاياته وقناعاته، وأسرار بقائه وفنائه، وأسباب انهياره واندثاره وذوبانه في الآخرين.

   وإذا كان من حق الإنسان أن يقول ما يريد، وأن يجتهد دون أن يكون عليه أدنى حرج، وإذا كان للمجتهد حسنتان، وإذا كان الاجتهاد ركنًا من أركان التشريع لا يمكن أن يُغلَق، ولا يجوز أن يُغلَق، وإذا كان إغلاق هذا الباب يؤدي إلى الجمود والتخلف والانقراض، إذا كان كل ذلك صحيحًا – وهو صحيح – فإن سياسة كمّ الأفواه، وأسلوب التعتيم الإعلامي، ومحاولات منع الناس من إبداء الرأي، ومن حرية الكلام والقول والتفكير والتعبير هي من قبيل إغلاق باب الاجتهاد في التشريع تؤدي إلى ما يؤدي إليها من نتائج.. وعليه، ولما كان للإنسان كل الحق في أن يقول ما يعتقد أنه الصواب، فإن من حقنا أن نقول للمصيب أصبت، وإن من حقنا أن نقول للمحسن أحسنت، وأن نقول للمسيء أسأت، دون تصلبٍ ودون تعصبٍ، ودون أدنى إساءةٍ لكبيرٍ أو صغير، وبخاصةٍ إذا كان الأمر مما يتعلق بوجود أمةٍ، ومصير شعبٍ، وقضية وجودٍ أو عدم.. وإذا كان من حقي بناءً على كل ما تقدم أن أقول شيئًا فإن مما أريد أن أقوله إن هؤلاء ليسوا الخاسرين إذا فشل حل الدولتين، بل نحن الخاسرون إذا استمرت هذه الحال، وإذا لم يكن هنالك ما نفعله سوى ما أدمناه منذ عقود، وإن مما أريد قوله: قبل الرِّماء تُملأ الكنائن، وإن مما أريد أن أقوله: الرأي قبل شجاعة الشجعانِ// هو أولٌ وهي المحل الثاني. وإن مما أريد قوله: وما نيل المطالب بالتمني... وإن ما أريد أن أقوله أولاً وآخرًا وقبل كل شيء "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة..." صدق الله العظيم.. أفبعد هذا كله، أو قبل هذا كله، وبعد كل ما جرى ويجري منذ مئة عام، وبعد كل ما سيجري في هذه الديار، وفي كثيرٍ غيرها من ديار العروبة نجد من يستمرئون العيش في خنادق الآخرين، وفي فنادقهم، ونجد من يهدرون الأوقات والطاقات والإمكانات، ويبددون الجهود، ويشتتون الوالد والمولود، ويعبثون بالوعود والعهود والعقود، ويتاجرون بالموءودة والموءود.. والنار ذات الوقود، إذ هم عليها قعود!! فإلى متى سيُصر هؤلاء وأولئك على الاستمرار في هذه اللعبة؟ وإلى متى سيواصلون القيام بهذه الأدوار التي هزُلت حتى عافها كل مفلِس؟ أم أنهم سيتراجعون؟ ومتى سيكون ذلك، وكيف سيكون؟ وهل سيخرجون من أزماتهم، وكيف؟ لا أدري اليوم يقينًا ما الذي سيحدث غدًا أو بعد غد.. وإن كنت على يقين أنه على الباغي تدور الدوائر، وأنه لا أحد يستطيع خداع كل الناس كل الوقت، وأنه لا يصح في نهاية المطاف إلا الصحيح.. وللحديث صلة.

21/5/2012

 

ليست هناك تعليقات: