متابعات
في اليوم العالمي لحرية الصحافة
عدنان السمان
لم يكن للناس في الماضي صحافة كهذه التي عرفوها في العصر الحديث، ومع ذلك فقد كان لهم وسائلهم في نشر الأخبار، ومعرفتها، والتحقق من صحتها، وصدقها..وكان لهم وسائلهم في نشر المعلومات التي يرغبون في نشرها، ومكافحة المعلومات والأفكار التي لا يرغبون فيها، فالإنسان هو الإنسان في كل زمان ومكان، والنفس البشرية هي ذاتها النفس البشرية بكل صفاتها، ومواصفاتها ومكوّناتها، في الماضي، والحاضر، والمستقبل.. وإذا كان الإنسان اليوم يسعى بكل قوته لمعرفة الحقيقة، والوقوف عليها؛ فقد كان كذلك في الماضي، رغم كل الصعوبات التي كانت تقف في وجهه، ورغم كل العقبات التي كانت تعترض سبيله... لقد عرف كيف يكتب الوثائق، وأين يعلقها كي يطلع عليها الناس، وعرف كيف يسعى وراء الحقيقة، وكيف ينشد المعرفة والمعلومة، وكيف يرتحل من مكان إلى مكان سعيًا وراء حديث نبوي، أو بيتٍ من الشعر، أو كلمة من هذا الحديث أو ذاك البيت!! كما عرف كيف يروّج لأفكاره ومبادئه ومعتقداته، وكيف يردّ على خصومه، وكيف يسفّه أفكارهم وآراءهم، وكيف يتحدث عن الأمم، والشعوب، والبلدان، والأماكن، والألوان، والألسن، والأديان، والمعتقدات رغم كل ما كان ينطوي عليه هذا، وغيره من البحث في ألوان العلوم والمعارف والأخبار والثقافات من منغّصات وعقبات وصعوبات.. بل إن كثيرًا من أولئك الرواد قد دفعوا أرواحهم ثمنًا لتلك الأعمال العظيمة، والخدمات الجليلة التي قدّموها لمجتمعاتهم، وللبشرية كلها في تلك الأزمنة المتقدمة من التاريخ.
لقد وفّر العلم الحديث للصحافة بأنواعها: المكتوبة، والمسموعة، والمرئية، من الوسائل ما لم يكن يخطر على بال... ولقد أحدثت ثورة المعلومات انقلابات ضخمة في هذا الكون أحالته إلى قرية صغيرة يستطيع الإنسان أن يلمَّ بأحداثها وحوادثها وأخبارها ومستجداتها بسهولة ويسر، وبدون أدنى مشقة أو عناء.. ومع كل هذا التقدم العلمي والتقني، ومع كل ما أحدثته الشبكة العنكبوتية، ووسائل المواصلات والاتصالات من تغييرات وتطورات سُخِّرت جميعها لصالح الكلمة والصورة والمعلومة والفكرة، وَوُضعت جميعها في خدمة وسائل الإعلام والإعلاميين، ومؤسسات الصحافة والصحافيين، ودور النشر والناشرين، وحركة الفكر والمفكرين، إلا أن متاعب كثير من رجال الصحافة والإعلام والفكر والرأي قد تضاعفت، والمخاطر المحدقة بهم قد تفاقمت وتعاظمت.. ولم تكن هذه المتاعب والمخاطر بسبب صعوبة المواصلات، وقطّاع الطرق، والحمَّيات، وإنما بسبب تحكّم المتحكمين، وتسلّط المتسلّطين، وتجبّر المتجبّرين في عباد الله من إعلاميين، وصحافيين ومفكرين.
المتسلطون المستبدون يريدون أن تكون الصحافة، والصحف، والصحافيون(كتّابًا، ومحررين ومحلّلين ومعلّقين ومصورين وموزعين وباعةً ميدانيين) أتباعًا لهم يسيرون في فلكهم، ويروجون لأفكارهم وممارساتهم.. وهذا هو جوهر القضية التي تُحدث اليوم ضجةً عظمى، وفتنةً كبرى دونها تلك الفتنة التي أعقبت مقتل عثمان... فلا عجب إذا تنادى جميع العاملين في هذه المؤسسات، للاحتجاج على هذه الممارسات الجائرة التي تُتخذ بحقهم، ولا عجب إذا رفع هؤلاء العاملون أصواتهم مطالبين بالحماية، وكفّ الأذى والعدوان عنهم، ولا عجب إذا رفع كثير منهم صوته مطالبًا بمزيد من الإنصاف، ومزيد من الفرص لإحداث مزيد من التغييرات الإيجابية لصالح الفكر الحر النظيف المستنير، ولصالح التحرر والتحرير في كثير من أقطار هذا العالم.
في اليوم العالمي لحرية الصحافة الذي يصادف هذا اليوم الثالث من أيار لا بد من الإشارة بألم شديد إلى تقرير منظمة العفو الدولية عما يكابده الصحافيون، والإعلاميون، والمفكرون، وأصحاب المواقف الشريفة الملتزمة من آلام، وعذاب، واضطهاد، وتنكيل، في كثير من بلدان هذا العالم وأقطاره.. ولا بد من الإشارة بألم شديد إلى هذا الخلل الرهيب في المقاييس والمعايير التي يتم الحكم بموجبها على هذا الفريق أو ذاك، وعلى هذه الدولة أو تلك في مجال حقوق الإنسان، واحترام حرياته الأساسية، بما في ذلك حقوق الصحافيين، والإعلاميين، والمفكرين... ولا بد من الإشارة بألم شديد أيضًا إلى هذه الأعداد المذهلة من ضحايا الرأي، والفكر، والعمل الصحافي الحر في كثير من بلدان هذا العالم.
وفي اليوم العالمي لحرية الصحافة نقول: إن للإنسان كل الحق في القول، والتفكير، والتعبير، والمعتقد السياسي والاجتماعي.. وله كل الحق في العيش الكريم الحر الآمن على أرض وطنه، بعيدًا عن الأذى والعدوان، وبعيدًا عن التسلط والتحكم، وفرض الآراء والمواقف، وبعيدًا عن سياسات العصيّ والجزر، وممارسات الضغوط والتهديدات.
وما دامت الأوطان لجميع أبنائها؛ فمن حق هؤلاء الأبناء جميعًا أن يشاركوا في بناء أوطانهم، ومن حق هؤلاء الأبناء جميعًا أن يكون لهم وجودهم، ومواقعهم واحترامهم في هذه الأوطان، ومن حقهم جميعًا أن يحتكموا إلى قانون واحد هو قانون الوطن الحر السيد المستقل، والمواطن الكريم.. وشريعة واحدة هي شريعة الحق والعدل والحرية.
(3/5/2012)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق