متابعات
في اليوم العالمي للكتاب.. وحقوق المؤلف!!
أ.عدنان السمان
ليس هنالك حاجةٌ للتأكيد على دور الكتاب في حياة الناس أفرادًا وشعوبًا وقبائل، وعلى دوره في تطور الأفراد والجماعات والأمم منذ أقدم العصور وحتى يومنا هذا، وليس هنالك من حاجة لإجراء الموازنات والمقايسات بين الأفراد النابهين وأولئك الخاملين في المجتمع الواحد، وفي سائر المجتمعات والتجمعات، وبين الأمم المتحضرة المتطورة المتقدمة وتلك البدائية المتخلفة، ليس هنالك من حاجة لهذا كله كي نعلمَ علم اليقين أن الكتاب هو السبب، وأن الثقافة هي السر في هذا، وأن النابهين من الناس هم الذين عرفوا الطريق إلى الكتاب، وأن الخاملين هم من لم يعرفوا الطريق إليه.. وأن تقدم الأمم والشعوب يقاس بمقدر ما تقرأ، وبمقدار ما تكتب، وبمقدار ما تفكر، وبمقدار ما تبتكر وتبدع وتؤلف بعد هذا كله في سائر ألوان العلم والمعرفة.
العرب المسلمون عرفوا الطريق إلى الكتاب ذات يوم، عرفوه قبل المأمون، وعرفوه في عهد المأمون، فقرأوا، وقرأوا، ولم يَدَعوا كتابًا من كتب السابقين إلا قرأوه بعد أن ترجموه، ثم كتبوا، وكتبوا، ولم يتركوا لغيرهم من اللاحقين ما يكتبونه، لأنهم السابقون، ولأنهم المحلقون في فضاءات العلوم، وآفاق الآداب، ومدارات الطب والهندسة والصيدلة والاختراع والفلك والنجوم والرياضيات والتشريع العادل، والفكر السياسي الاجتماعي المستنير المتزن، والقضاء العادل الراشد المتوازن الذي جعل منهم خير أمة اُخرِجت للناس.. لم يكتب غيرهم من معاصريهم ومن لاحقيهم شيئًا مذكورًا أو غير مذكور إلا بعد أن حالت حالهم، وتغيرت أحوالهم، وتقطعت أوصالهم، ودالت دولهم، وأصبحوا عالة على هذا الوجود، بسبب تخلفهم وجهلهم وأُميّتهم، فتجرّأ عليهم عدوهم، ولم يعاملهم بالعدل كما عاملوه، بل لقد اضطهدهم وأذلّهم وتحكّم بأرضهم وسمائهم ومستقبل أجيالهم على أرضهم أرض آبائهم وأجدادهم الميامين الذين ملأوا الأرض علمًا وعدلاً ونورًا ورحمةً ذات يوم.
والأوروبيون الغربيون أيضًا عرفوا الطريق إلى الكتاب بعد أن قرأوا كتب العرب، ومؤلفات العرب، وبعد أن درسوا في جامعات العرب في بغداد وبخارى وسمرقند، وفي طليطلةَ وإشبيليةَ والقيروان، هؤلاء الأوروبيون بنَوا فوق ما بناه العرب، ثم استقلوا عنهم، وانفردوا بمسيرة التطور والتقدم منذ الانقلاب الصناعي، وكانوا حريصين على ازدياد المسافة، واتساع الهوَّة بينهم وبين العرب، فشغلوهم بالقشور، وصرفوهم عن الجوهر، وأصبحت المطابع في قطر أوروبي واحد مثل ألمانيا تقدم للناس من الكتب في عام واحد ما قدمه العرب منذ عهد المأمون وحتى يومنا هذا.. صحيحٌ أن وسائل النشر قد اختلفت، وصحيح أن المطبعة قد لعبت دورًا في هذا المجال، وصحيح أن وسائل الإعلام والإعلان قد روّجت للكتب، وصحيح أن ثورة المعلومات والمواصلات والاتصالات قد ساعدت الألمان وغير الألمان على إغراق الدنيا كلها بكتبهم ومؤلفاتهم في شتى أنواع العلوم والمعارف والآداب والفنون.. ولكن صحيح أيضًا أننا أمة أخلدَت إلى الراحة والدَّعة، واستكانت همتها، وفتَرَت عزيمتها، وأصبحَ شغلها الشاغل في أكلٍ تأكله، وشراب تشربه، وأصبح همُّها يكاد يكون محصورًا في التنافس، بل الاقتتال والاحتراب في جمع المال، وفي الولاء للأجنبي، وظلمِ الأهل والصحب والعشيرة، والاستعلاء عليهم، والاستقواء على الناس بالأجنبي..لقد انصرفنا عن الكتاب الجاد النافع المفيد إلى ألوان من الكتب الهابطة الرخيصة، وإلى ألوان من المطبوعات الموبوءة التي تهدم ولا تبني، وتفرّق ولا توحّد، وتذرُ الناس بعد ذلك سكارى وما هم بسكارى، وقد يكونون سُكارى أيضًا، لسنا ندري، وربما كنا ندري!!.
إن الأمم والشعوب التي تحترم نفسها، وتريد أن تحيا باحترام على أرضها، وترغب في حياة حرة كريمة لأبنائها وأجيالها وحفدتها وذراريها على أرض حرة عزيزة بعيدة عن الهوان، وعصيّة على الطغيان، هي الأمم والشعوب التي تتخذ من الكتاب، ومن المطبوعات الجادة ومصادر الفكر والثقافة والمعرفة، ومن تجارب الشعوب والأمم الحية طريقًا إلى ذلك، ووسيلة لتحقيق كل ذلك.. وإن الأمم والشعوب التي تحترم نفسها هي تلك التي تحترم مفكريها، وتحترم مثقفيها وقادة الفكر والرأي فيها، وهي التي ترعى مبدعاتها ومبدعيها، وعمالها، وفلاحيها، وهي التي تحرص كل الحرص على حرمة البلاد والعباد، وعلى مصالح البلاد والعباد علميًّا وصحيًّا وفكريًّا ونفسيًّا.. وهي التي يحصل فيها الناس جميعًا على كافة حقوقهم، ويقوم فيها الناس جميعًا بكافة واجباتهم والتزاماتهم دون نقص أو تقصير.
إننا في هذا اليوم الثالث والعشرين من نيسان،اليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف لا يسعنا إلا أن نشد على أيدي القراء العرب، والكتّاب العرب، والمؤلفين العرب، والناشرين العرب، وباعة الكتب العرب، وأصحاب المكتبات العرب، وكل من يعنيهم أمر الوطن والمواطن على كل أرض العرب.. مطالبين بمزيد من الحرص على مستقبل هذه الأجيال العربية، وبمزيد من الحرص على مستقبل هذه الأمة العربية، وبمزيد من الحرص على بث الوعي، ونشر المعرفة عن طريق الكتب والمطبوعات الجادة كافة، وعن طريق الكلمة الصادقة الأمينة الشجاعة وسيلة لتحقيق هذا، ومطالبين أيضًا بتشجيع القراءة، وتشجيع التأليف، ورصد الميزانيات الكافية الكفيلة بتحقيق ذلك، وسن التشريعات التي تكفُل حقوق المؤلف، وتحافظ على هذه الحقوق، وتحمي إنتاجه من عبث العابثين، وانتحال المنتحلين، وتزوير المزورين، وتدخل المتدخلين واعتداءاتهم وتجاوزاتهم.
23\4\2012
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق