عزيزتي .. عزيزي


ما أجمل أن نلتقيَ على كلمة طيبةٍ في كلَّ يوم ! ما أجملَ أن نلتقيَ لِنحقَّ حقا ، ونزهقَ باطلا ونحيي ثقافة ، وننصفَ مظلومًا ، وننقدَ واقعًا أليمًا ، ونوقدَ شمعة تمزق من حولنا الظلام .
أعزائي .. يا أنصارَ الحق ، وطلابَ الحقيقة ، ومحبي الخير والجمال أفرادًا ، وجماعاتٍ ، ومجموعاتٍ ، ومؤسساتٍ ، نساءً ، ورجالا ، فتية ، وفتيات .. يا كلَّ المؤمنين بحق شعبنا العربي الفِلسطيني في العيش باحترام ، وأمن ، وأمان فوق ثرى وطنه الغالي فلسطين .. ويا كلّ عشاق هذه اللغة العربية من أبنائها وبناتها ، ومعلميها ومُتعلميها .. يا كلّ شعبنا.. يا كلّ العرب .. يا كلّ المؤمنين بحق الشعوب في الخلاص من التبعية ، والاستعباد ، والاستبداد ، وبحقها في التحرر، والبناء ، والإعمار ، والسيادة على ترابها الوطني ... هذا موقعكم .. ستجدون فيه ما يسركم من فكر ، ورأي ، ومقال سياسي ، واجتماعي ، واقتصادي ، وثقافي ، ونقدي ، وأدبي .. ستجدون فيه نثرًا وشعرًا ، وقصة ، وحكاية ، وستجدون فيه كتبًا ، ومتابعاتٍ ، ومقابلاتٍ ، ومواجهاتٍ ، ومراسلاتٍ ، ومساجلاتٍ ..ستجدون فيه كثيرًا مما كتبتُ على امتداد العقود الماضية ، وبخاصة في " القدس " المقدسية ، والبيادر السياسي ، وغيرهما من مطبوعات هذه الديار وصحفها .. وسأوافيكم من خلاله بكل ما سأكتب ... مكتفيـًا في هذه المرحلة بالكتابة إليكم ، حتى إذا ما فرغتُ من إحياء ما لديّ من قديم( مخطوطٍ ومطبوعٍ) ووضعتـُه بين أيديكم في موقعكم هذا ، وتفرغتُ بشكل كامل للكتابة في قضايا الساعة فتحتُ المجالَ أمامكم للمشاركة ، والمساهمةِ ، والنقاش والحوار ، والأخذ والرد على غرار ما تفعله كثير من المواقع الرائدة التي نكنّ لها كل الاحترام ، وندين لها بالولاء والعرفان ، ونتقدم منها بالتحية والتقديروالامتنان .
أرحب بكم في موقعكم هذا .. موقع الأسرى ، والعمال ، والفلاحين ، والطلبة ، والمثقفين ، والكتـّاب ، والأدباء ، والشعراء .. موقع المؤسسات ، وكافة أحرار هذا الوطن وحرائره ..مثمنـًا وقوفكم إلى جانبي .. آملا أن يكون لي شرف الإسهام في خدمة الوطن والمواطن في بلادنا العزيزة فِلـَسطين .. وفي كل ديار العروبة والإسلام.
عدنان السمان
15/6/2008


الأربعاء، ٤ نيسان ٢٠١٢

ماذا يعني تسليح هذه المعارضة؟؟

متابعات

ماذا يعني تسليح هذه المعارضة؟؟

أ/ عدنان السمان

www.samman.co.nr

   لمن لا يعرفون تاريخ هذه الديار السورية، ولمن لم يسمعوا بمحبة رسولنا الكريم لبلاد الشام، ودعائه لها، ووصاياه خيرًا بها، ولمن لم يقرأوا شيئًا عن هذه الوحدة الروحية الجغرافية السياسية العسكرية بين الشعبين العربيين في القطرين الشقيقين سوريا والعراق منذ الفتح العربي الإسلامي، وقبل هذا الفتح العربي الإسلامي، ولمن لم يروا خيول خالد، وجِمال خالد، وجنود خالد، وهو يخترق المسافة بين القطرين في زمنٍ قياسيٍّ نزولاً عند أمر أبي بكر بضرورة أن يتوجه ابن الوليد إلى الشام بنصف جيش العراق الذي كان أبو بكرٍ قد أرسله إلى هناك ليؤازر المثنى بن حارثة، ولمن لم يروا ابن الوليد وهو يوحد الجيش الذي قدم به من العراق مع الجيوش الأربعة التي كان أبو بكرٍ قد أرسلها لفتح الشام، ولمن لم يروا خالدًا وهو ينظم الجيش الواحد، ولمن لم يسمعوا خالدًا وهو يطلب من القادة الأربعة أن يكون كلٌّ منهم قائدًا للجيش يومًا واحدًا، ويطلب منهم أن يكون هو القائد في اليوم الأول (لأن أبا بكر عينه قائدًا لهذه الجيوش ساعة أمره بالتوجه من العراق إلى الشام)، ولمن لم يقرأوا شيئًا عن معركة اليرموك، وانتصار جيش الفتح، وتحرير بلاد الشام، ولمن لم يسمعوا قول ابن الخطاب بعد ذلك، وهو يقوم بزيارته الأولى إلى سوريا: "رحم الله أبا بكر، فقد كان أعلم مني بالرجال"، ولمن لم يقرأوا شيئًا مذكورًا، أو شبه مذكور عن تاريخ الحجاج الثقفي، وما فعله في شبه الجزيرة العربية، وفي العراق، ولمن لم يقرأوا شيئًا عن تاريخ زياد بن أبي سفيان وهو يحكم العراقين العربي والعجمي، ولمن لم يقرأوا شيئًا عن فتوحات بني أمية في شرق الدنيا وغربها، ولمن لا يريدون أن يعرفوا شيئًا عن دمشق، وتاريخ دمشق، وأمجاد دمشق ومخططات دمشق لدرء المخاطر، والتصدي للمعتدين الطامعين في كل ديار العروبة والإسلام، ولمن لا يريدون خيرًا بدمشق، وأحرار دمشق، وحرائر دمشق، وأطفالها، ولمن لا يريدون خيرًا بأحد من مواطني دمشق، ومن ساكنيها، والمقيمين فيها من بقايا العرب الذين أحبتهم وأحبوها، فآثروا العيش فيها، وفضلوا الموت في خنادقها على العيش في فنادق أعدائها، ولمن يصرون بعد هذا كله، أو قبل هذا كله على إحراق دمشق، وإغراقها في بحورٍ من الدماء، ولمن يصرون على اقتحام آخر قلاع العروبة بأي ثمن، وعلى إسقاط آخر قلاع العروبة لإلحاقها بهذه المشاريع المشبوهة التي أقيمت وتقام على أرض العرب، ولضرب آخر معقلٍ من معاقل العروبة، دمشق العروبة والإسلام والتاريخ والحضارة والثقافة والتراث، حتى لا تقوم لفلسطين قائمة، وحتى لا تقوم للبنان قائمة، وحتى لا تقوم للعروبة قائمة، وحتى لا تقوم للإسلام والمسلمين قائمة، وحتى يصبح الوطن العربي من طنجة إلى مضيق هرمز، والعالم الإسلامي، من مراكش إلى ما وراء أندونيسيا مستعمراتٍ ذليلةً، ومناطق نفوذ لكل أعداء هذه الأمة العربية الإسلامية في هذا العالم الإسلامي الذي لن يكون يومًا إلا لأبنائه، ولن يكون إلا لأجياله المتعاقبة على أرضه، ولو كره الكارهون، ولمن قاموا بتغذية هذه "المعارضة"، وبتسليحها، ودعمها منذ اليوم الاول لانطلاقة هذه الفتنة العمياء، ولمن يُعلنون اليوم إصرارهم على تسليح هذه "المعارضة" .. إلى كل هؤلاء وأولئك نقول إن ما تريدون لباطل، وإن ما تنادون به لهو الوهم القاتل، فدمشق وسوريا وبلاد الشام والعراق هي اللظى والحنظل، والعلقم المُرُ المذاق، وبلاد الشام والعراق قادرةٌ على التصدي، وقادرةٌ على التحدي، وقادرةٌ على مواجهة أوهامكم وأحلامكم وأطماعكم، وقادرةٌ على مواجهة المخدوعين الأشقياء الذين تسخرونهم لإذكاء نار هذه الفتنة العمياء، واعلموا أن الأردن لن يكون إلا للأردنيين الشرفاء، ولن يكون إلا ممرًّا لا مقرًّا للفلسطينيين الشرفاء، ولن يكون إلا نصيرًا للحق وظهيرًا للعروبيين الأحرار في سوريا ولبنان وفلسطين، وسندًا لكل عراقيٍّ أبيٍّ شريف، وسندًا لكل عربيٍّ وفيٍّ في كل ديار العروبة.. الأردنيون وسائر العرب ممن يقيمون على أرض الأردن أعلنوا تضامنهم مع سوريا العروبة منذ اليوم الأول لانطلاقة الفتنة، والأردنيون هم الذين يحرسون الحدود، ويتصدون للمتسللين من المخدوعين المضللين الذين استغل الأشرار في وسائل الإعلام الكاذبة سذاجتهم وطيبتهم، والأردنيون هم الذين يقومون بالزيارات التضامنية مع العروبيين في سوريا، وهم الذين يتظاهرون على أرض الأردن ضد التدخل الأجنبي الخارجي في سوريا.. الأردن لن يكون أداةً في أيدي هؤلاء الذين أسفروا عن أهدافهم وغاياتهم، وسقطت الأقنعة، أو أُسقِطَت عن وجوههم، فبانت الأهداف، وظهرت النوايا ماثلةً للعيان، فاطمئنوا يا دعاة الفتنة، فلن يكون ما تريدون، ولن يكون للمؤتمرين في اسطنبول من أعداء سوريا والطامعين فيها مايريدون!!

   وإذا كان الأردنيون، ومعهم كل العرب ممن يقيمون على الأرض الأردنية على هذه الصورة من شرف الوفاء للعروبة في سوريا، وفي كل أرض العرب، فإن اللبنانيين لا يقلون في هذا الشرف عن إخوانهم الأردنيين، فاللبنانيون هم من يحرسون "حدودهم" مع سوريا، وهم من يتصدون للعابثين المتسللين المتاجرين بالسلاح، وبالدم السوري، والدم العربي، وهم من يعلنون وقوفهم إلى جانب الشقيقة الكبرى سوريا العروبة جهارًا نهارًا، وسرًّا وإعلانًا، وليلاً نهارًا، وهم من يحافظون على امتداد نحو ألفٍ من الكيلومترات هي "حدود" لبنان مع سوريا، وهم من يتوجهون في كل يوم إلى دمشق للتضامن مع العروبيين الأحرار الداعمين للمقاومة والممانعة في لبنان، وفي كل أرض العرب، واللبنانيون هم من يحرصون على أمن سوريا وأمانها حرصهم على أمن لبنان وأمانه.. مرةَ ثانيةً نقول لأولئك الذين يتحدثون عن تسليح هذه "المقاومة" إنهم قد فعلوا كل ما بوسعهم أن يفعلوه، ولكنهم فشلوا، وسوف يلازمهم الفشل في كل خططهم ومخططاتهم التي يحاولون من خلالها النيل من سوريا العروبة والإسلام.. فهذه هي سوريا، وهذا هو الشعب العربي في سوريا، وهذا هو الأردن، وهذا هو الشعب العربي في الأردن، وهذا هو لبنان، وهذا هو الشعب العربي في لبنان.. اما العراق، فمواقفه من سوريا معروفة، ووقوفه إلى جانب أشقائه السوريين أمرٌ ليس بحاجة إلى توضيح أو إثبات أو برهان.. فالعراق شقيق سوريا منذ فجر التاريخ، والعراق حليف وجارٌ لسوريا، ورديفٌ وظهيرٌ ومؤازرٌ لها، وشريكٌ معها، وأخٌ شقيقٌ لسوريا والسوريين في السراء والضراء، وهو الذي يشكل مع سوريا وحدةً جغرافيةً ثقافيةً سياسيةً عربيةً إسلاميةً واحدةً موحدةً رغم أنوف من لا يريدون هذا، ولا يرتاحون إليه، ورغم أنوف من يعارضونه ويحرضون عليه.. وإذا كان هذا هو شأن الأردن ولبنان والعراق، فإن شأن الفلسطينيين لا يختلف في كثيرٍ أو قليلٍ عن موقف أشقائه العرب الأوفياء لعروبتهم في كل هذه الأقطار، وفي غيرها من أقطار العروبة، فالفلسطينيون يعتبرون ديارهم جزءًا لا يمكن أن يتجزأ من سوريا، وهم يسمون بلادهم فلسطين برَّ الشام أو جنوب سوريا، وهم يسمون نابلس دمشق الصُغرى، وإن العادات والتقاليد في هذه الديار الفلسطينية تكاد تكون نفسها في سوريا، يعرف هذا جيدًا كل من يعرف القدس والخليل ونابلس وغزة والجليل، ويعرف في الوقت نفسه دمشق وسوريا كلّها.. وإن من يعرف حقيقة هذا التلاحم القائم بين أقطار بلاد الشام يُذهله هذا التشابه بين أهل المدن فيها، كما يُذهله هذا التشابه القائم بين الفلاحين في كل أقطار بلاد الشام، وهذا التشابه الذي يكاد يصل حد التطابق بين العشائر البدوية في كل هذه الديار، رغم كل هذه السنوات الطوال من القطيعة الكاملة أو شبه الكاملة بين هذه الأقطار من جهة، وبين القطر العربي السوري من الجهة الثانية بسبب الحدود والحواجز، وبسبب الصعوبات والعقبات، واضطراب الأحوال السياسية، وبسبب الاحتلال الذي يحرص على تغيير أوجه الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والنفسية لكل العرب الخاضعين لهذا الاحتلال، ولكل العرب المتأثرين بثقافته وتوجهاته وأهدافه من خلال هذه العلاقات مع بعض العرب، ومن خلال هذه المشاريع التي يقيمها بالتنسيق والاتفاق مع بعض العرب، ومن خلال هذه الحالة النفسية التي تصيب بعض العرب نتيجة تأثرهم بهذا "التفوق" الاقتصادي والسياسي والعسكري والاجتماعي لهذا الاحتلال الذي يسعى جاهدًا لكسب ودِّ كثيرٍ من العرب، وكثيرٍ من الفلسطينيين، وكثيرٍ من المسلمين بأساليب متعددةٍ، وصورٍ وأشكالٍ لا تكاد تُحصى عددًا.

   وإذا كان هذا هو الواقع المنظور في كل هذه البلاد الشامية، وفي العراق أيضًا، وإذا كانت هذه الاحوال – على الرغم مما بينها من تفاوت – لا تسمح لأولئك الحالمين بتسليح "المعارضة" من تنفيذ أحلامهم، وإذا كانت الأحوال أيضًا في العراق لا تسمح بذلك مطلقًا، فهل يراهن هؤلاء الواهمون على الجبهة التركية؟ وهل يراهنون على أردوغان وأوغلو والحزب الذي ينتميان إليه؟ إن كان هؤلاء هم من يراهن أولئك عليهم، فإن الخيبة ستلازم أوهامهم وأحلامهم هناك أيضًا، لسببٍ بسيط هو أن الشعب التركي بمختلف أطيافه وألوانه وتوجهاته ومكوناته لا يوافق هؤلاء على ما يذهبون إليه، وهو يعارض عداءهم لسوريا، ويعارض استضافتهم لبعض السوريين، ولهذا المؤتمر الذي يسمي نفسه أصدقاء سوريا.. ولسببٍ بسيطٍ آخر هو أن أردوغان وأحمد داوود أوغلو كليهما قد عرفا عن قرب طبيعة السوريين، وإصرارهم على وأد الفتنة، وإصرارهم أيضًا على الحوار الداخلي فقط وسيلةً لوضع حدٍّ لكل هذا الذي يجري من أحداثٍ وحوادث مؤسفةٍ مؤلمةٍ تثير في النفس أكثر من الحزن، وأكثر من الغضب.. أردوغان الذي زار سوريا قبل أيامٍ من بدء هذه الفتنة العمياء، والذي وقّع مع السوريين كثيرًا من الاتفاقات التجارية وغير التجارية.. أردوغان نفسه هو الذي قال يومها إن العلاقات التركية السورية قد أصبحت علاقات استراتيجيةً لا تراجع عنها، ولا يمكن الخلاص منها بأية حالٍ من الأحوال!! وأحمد داوود أوغلو الذي زار سوريا بعد بضعة أسابيع من نشوب هذه الفتنة، واجتمع إلى الرئيس السوري، واستمع منه إلى ما نشرته الصحف، وتناقلته وسائل الإعلام في حينه، أوغلو هذا يعرف يقينًا ما تريد سوريا، وما يريده السوريون، ويعلم علم اليقين أن سوريا لن ترضخ لتهديد، ولن ترضخ لعدوان، ولن ترضخ لوعيد، ولن تُصغي إلا لمعارضةٍ سوريةٍ داخليةٍ وطنيةٍ عربيةٍ شريفةٍ لا علاقة لها بالجهات الأجنبية، وبالتمويل الأجنبي، ولا علاقة لها بالسلاح، وإراقة الدماء، على أن تكون لغة الحوار والتفاهم والاتفاق والوفاق هي اللغة الوحيدة التي يجب أن تسود الموقف، وتؤدي إلى الإصلاحات المطلوبة والتي بدأها السوريون منذ سنوات، وحال احتلال العراق دون تقدمها وبلوغها المستوى المطلوب.. ثم كانت الفتنة الدموية العمياء التي أعلنت أنها لا تريد إصلاحًا على يد النظام، وأنها لا تطالب إلا بإسقاطه واستبداله بنظام آخر مختلف مغاير لهذا النظام الذي يرعى المقاومة والممانعة، ويقيم أقوى العلاقات وأمتنهامع إيران وحزب الله والرافضين الفلسطينيين للاحتلال والتطبيع.... قيل كل هذا، وقيل ما هو أكثر منه، ولا زال أولئك "المعارضون" ومحرّضوهم سادرين في أوهامهم، حتى بعد أن خرجت سوريا من هذه الأزمة المفتعلة، وبعد أن أصبحت الفتنة وراءها، وبعد أن رأى العالم كله أن السوريين أكبر من كل أولئك الذين استهدفوا دولتهم وحريتهم وعروبتهم وثباتهم على مبادئهم ووحدتهم الوطنية، وعلاقاتهم الداخلية، والعربية، والإسلامية، والأممية، وعلاقاتهم بكثيرٍ من الأصدقاء في هذا العالم.. ومادام الحديث هنا عن الإصلاح فلا بد من القول إن الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإنسانية المتردية في تلك البلدان (التي تدعو إلى تسليح "المعارضة" السورية بهدف إنقاذ الشعب السوري) هي الأوضاع التي تتطلب إصلاحًا عاجلاً، وإن الأوضاع العامة في سوريا على الرغم من الحصار، والمقاطعة، وكل مظاهر العداء والعداوة التي يكنها لها كثيرٌ من العرب هي أفضل بكثير مما هي عليه في تلك البلدان، ولا حاجة بنا لضرب الأمثلة على ذلك.. إن القضية ليست الإصلاح، وليست مصلحة شعب سوريا، وليست حماية هذا الشعب من نظام جائر، وإنما هي تبعية عمياء للغرب الذي لا يريد مقاومةً، ولا يريد ممانعةً، ولا يريد تنسيقًا سوريًّا مع حزب الله، ومع العروبيين في لبنان، ومع فلسطين والفلسطينيين، ومع إيران، ومع كل الأنظمة العربية والإسلامية التقدمية التحررية الرافضة للخضوع للغرب وأدواته وحلفائه في كل هذه المنطقة، وفي كل ديار العروبة والإسلام.

   وإذا كانت هذه هي الحقيقة باختصار، وبدون لفًّ أو دوران، وإذا كان هذا هو الموقف السوري المعلن، والرفض السوري الصريح لكل ألوان التبعية والخضوع، والرفض السوري الصريح للتخلي عن المبادئ والثوابت والعلاقات مع الأشقاء والأصدقاء، والتحالف السوري الصريح مع الأصدقاء في هذه المنطقة من العالم، فعلامَ يُراهن أولئك الذين يطالبون اليوم علنًا بتسليح هذه "المعارضة" إذا كانت الغالبية في الأردن والعراق ولبنان وفلسطين وتركيا ترفض ذلك، وترفض الخوض فيه؟؟

   وإذا كان الغرب بشقيه قد أدرك أن السلاح لن يكون وسيلةً للحل، وإنما هو – يقينًا – وسيلةٌ لإحراق المنطقة ودمارها، وإذا كان هذا الغرب وكثيرٌ من أتباعه وحلفائه قد أدركوا هذه الحقيقة، ولجأوا إلى وسائل سلمية تفاوضية لحل المشكلات، وإذا كان الاتحاد الروسي يقف بالمرصاد لكل من تسول له نفسه التدخل في الشأن السوري، وإذا كانت الصين كذلك، وإذا كانت كثيرٌ من الدول والقوى والهيئات والأحزاب والتنظيمات في هذه المنطقة، وفي مناطق شتى من هذا العالم تقف إلى جانب سوريا والسوريين ضد هذه الفتنة العمياء، وضد التدخل الخارجي في الشأن السوري،وإذا كان كثيرٌ من السوريين الذين خُدِعوا وغُرر بهم في أوقاتٍ سابقةٍ قد أدركوا خطورة ما يحدث فتراجعوا، وسلموا أسلحتهم إلى الدولة، وإذا كان العرب في أقطار الجوار هم من يحرسون "الحدود" مع سوريا في أغلب الأحوال، وإذا كان الأتراك ضد حكومة أردوغان في تطرفها واستضافتها لأفرادٍ أو مؤتمراتٍ تستهدف سوريا، فإلى من سيلجأ هؤلاء الذين يعلنون في صراحةٍ أنهم سيسلحون تلك "المعارضة"؟؟

   أغلب الظن أن دعواتهم تلك لم تكن أكثر من ردود فعلٍ عصبيةٍ للخيبة التي لازمتهم، والتي مُني بها أولئك المخدوعون في المواجهة مع الشعب السوري، ومع الجيش السوري، ومع قوى الأمن السورية، ولم تكن أكثر من ردود فعلٍ عصبيةٍ لعودة الأمور في سوريا إلى سابق عهدها، ولم تكن أكثر من حالة غضبٍ لالتفاف معظم السوريين حول حكومتهم، ولاستجابة هذه الحكومة لكل مطالب الشعب السوري في الإصلاح السياسي والإداري والاقتصادي والاجتماعي.

    وأغلب الظن أن أولئك الذين يدعون إلى تسليح هذه "المعارضة" سيدركون يومًا أنه من الخير لهم ولسوريا وللعرب أجمعين أن يتخلوا عن هذه الدعوة التي لن تجلب إلا مزيدًا من الأحقاد ومزيدًا من الدماء، ومزيدًا من التوتر في العلاقات العربية العربية، وأنه من الخير لهم أن يعودوا إلى سابق عهدهم عندما كانوا يقضون الصيف في ربوع سوريا ولبنان في أحضان هذا الشعب الطيب هنا وهناك.. وأنه من الخير لهم أن يخوضوا غمار وحدة الهدف والمصير، وغمار تطوير هذا الوطن العربي وإعماره، والقضاء على الأمية والجهل الفقر والمرض في ربوعه، وغمار الوقوف بشجاعةٍ وجرأةٍ وإخلاصٍ إلى جانب أشقائهم الفلسطينيين في حربهم المستمرة لتحرير القدس والمسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين، وإلى جانب أشقائهم المخلصين العرب العروبيين في لبنان لحمايته من أطماع الطامعين، وعدوان المعتدين.

   وأغلب الظن أنه من الخير لشيخنا صاحب الفتاوى الغريبة ضد سوريا وحزب الله وإيران أن يثوب إلى رشده، وأن يعود إلى سابق عهده عندما حل ضيفًا مكرمًا معززًا في سوريا قبل زمنٍ قصير من تلك الفتنة العمياء التي أصبحت اليوم وراء السوريين، وقال يومها ما قاله من ثناءٍ على سوريا، وكال ما كاله من مديحٍ للسوريين، وأعرب يومها عن ارتياحه الشديد لمسيرة الخير والبناء في سوريا.. أليس من الخير أن نثوب جميعًا إلى رشدنا، وأن نعود إلى سابق عهدنا كي نفوز بالرضى، وكي نحظى بسعادة الدارين يا شيخَنا، ولكي نكون ممن وصفهم رب العزة في كتابه الكريم: "كنتم خير أمةٍ أخرجت للناس، تأمرون بالمعروف، وتنهون عن المنكر، وتؤمنون بالله"؟.   

 (4/4/2012)

 

ليست هناك تعليقات: