متابعات
عدنانُ مَنْ فَلَّ الحديدَ بعزمهِ
أ/ عدنان السمان
www.samman.co.nr
لم أكن، ولم يكن غيري ممن كتبوا إليك وعنك ويكتبون، بحاجةٍ لطويل وقتٍ، أو جهدٍ، أو تفكيرٍ لاختيار العناوين، والكلمات التي تسمو سموَّك، وترقى رقيَّك، وتصف ما أنت عليه من خُلقٍ رفيع، وتواضعٍ وأدبٍ في عزةٍ قل نظيرها، وثقة بالنفس عزَّ مثيلها، فكنتَ، كما قالوا، شموخًا وسموًّا وارتفاعًا وتحليقًا لامس جنان الفردوس، وتواضعًا واقترابًا من الناس على أرض الواقع جسدًا مسجًّى، ومشروع شهادةٍ مكتملٍ توافرت فيه كافة أركانها النفسية والمعنوية والمادية في إرادةٍ حديديةٍ، وعزيمةٍ فولاذيةٍ فلت الحديد وصهرته وقهرت صلابته.. فلله درك يا عدنانُ!! وسلامٌ عليك يا خِضرُ يوم وُلدتَ، ويوم تموتُ، ويوم تُبعث حيًّا.. سلامٌ عليك عزيزًا أبيًّا شريفًا رضيًّا كريمًا عصيًّا شهيدًا بيننا يحيا، نراه رأي العين، وشاهدًا علينا يتبع خطونا، ويرقُب ظلنا، ثم لا يكون مثلنا: لم تُغْرِهِ الفانية، ولم يستهوه طعامها وشرابها وشواؤها، ولم يصرفه عن نداء الكرامة والرجولة والإباء وقبول التحدي خرير مائها، وعليل هوائها، وطيب غذائها، ولم يثنهِ عن عزمه وإصراره على انتزاع النصر في معارك الجوع والعطش والإرادة والإصرار على الموت فتاوى القاعدين، وهرطقات الضالين المضلين المُيئسين المحبَطين المحبِطين، بل ظل على ظهر هذا السابح يسابق الريح، ونداءٌ عُلويٌّ يملأ الكون من حوله، ويتردد صداه في أعماق نفسه، وسويداء قلبه: يا حبذا الجنةُ واقترابها// طيبةً وباردًا شرابُها!! وعلى أبواب الجنان ساميًا عاليًا سامقًا شاهقًا يغني للشهادة والمجد والحرية، ومع الناس والزوار والمحامي والسجان والقاضي تهبط من عليائك، فكنت كما قال شاعرنا: دنوت تواضعًا وسموت مجدًا// فشأناك ارتفاعٌ وانخفاضُ.
لم يكن ذلك الخيط الرفيع الذي يربطك بهذه الحياة طعامٌ أو شرابٌ أو متعة من متع هذه الحياة، وإنما كان الرابط رغبةً صادقةً في إحراز النصر على النفس وشهواتها أولاً، ليتسنى لك إحراز النصر الأكبر في المواجهة، وليتسنى لك أن تكون رائد التضحية بالنفس في سبيل إلغاء الاعتقال الإداري، والاعتقال السياسي، وكافة أشكال الاعتداء على الإنسان، وعلى حقه المقدس في العيش بكرامةٍ وأمانٍ وأمنٍ واحترام.. ولقد صدق فيك قول شاعرنا: يجود بالنفس إذ ضن البخيل بها// والجود بالنفسِ أقصى غاية الجودِ... صحيحٌ أنك لم تنل الشهادة في مواجهاتك، ولكنك كنت مستعدًّا لذلك، ففزت بالحسنيين كلتيهما، وكنت جديرًا بهذا الفوز الذي لا تحققه إلا النفوس الكبيرة الأبية المؤمنة الصادقة المستعدة أبدًا للتضحية والفداء.
لست أدري لماذا يصر هؤلاء وأولئك على العدوان على الناس!! ولست أدري لماذا يخالفون كل ما يتبجحون به من أحاديث لا حصر لها عن القيم والمبادئ والأخلاق والحرية وحق تقرير المصير وحق الإنسان الذي لا يُناقش في العيش والمأكل والمشرب والمسكن والعلم والعلاج والدواء، وحقه المقدس في القول والتفكير والتعبير والمعتقد!! ولست أدري لماذا يصر هؤلاء وأولئك على إذلال الناس والتنكيل بهم، ونشر الرذيلة والفساد بينهم، وتجويعهم ليسهل قيادهم، وليسهل التحكم بهم وسَوقهم كالقطيع!! وما علموا أن هذا كله، وأن هذه المخالفات كلها، وأن التحكم بالناس والعمل على إذلالهم وقهرهم وسلب حريتهم وإرادتهم سلاحٌ ذو حدين، وما علموا أن الشعوب إذا هبت ستنتصر، وما علموا أن الموتى يهبون الحياة للأجيال، وأن الأسرى يهبونها الحرية، ولا أظن أن أحدًا من هؤلاء وأولئك قد سمع بقول شاعرنا: ويا رُبَّ فردٍ قد أتى بجهاده// بما لم يكن يأتي الخميس العرمرمُ. وسلامٌ عليك يا عدنان، وسلامٌ عليكم يا كل أسرى الحرية، وسلامٌ عليكِ يا فلسطين، وسلامٌ عليك يا شعب البطولات والتضحيات.
28/2/2012
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق