متابعات
ماذا سيقول الشعب السوري في هذا الدستور؟؟
www.samman.co.nr
أ/ عدنان السمان
في هذا اليوم السادس والعشرين من شباط يُفترض أن يتوجه السوريون للتصويت على الدستور الجديد الذي يُطرح على الشعب العربي السوري من أجل إقراره ، ووضع الآليات بعد ذلك لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية وغيرها من الانتخابات التي من شأنها أن تُدخل سوريا والسوريين في عهد جديد بعد عقود من التجارب والاجتهادات والمحاولات التي أسماها بعضهم حكمًا فرديًّا استبداديًّا ، أو حكمًا فئويًّا طائفيًّا ، أو حكمًا قمعيًّا علويًّأ جمع من حوله الأقليات في محاولة لخطف السلطة وانتزاعها من أيدي الأغلبية السنيّة في سوريا .. وأسماها بعضهم الآخر محاولات طبيعيةً ، ومقدمات ضروريةً لإحداث التغيير المطلوب سياسيًّا وثقافيًّا واجتماعيًّا ونفسيًّا وفكريًّا في قطر عربي صغير نسبيًّا يخضع لحصار إقليميٍّ، وتهديد مستمر منذ أكثر من ستين عامًا ، كما يخضع لأشكال من مقاطعة غربيةٍ شرسةٍ ( لا تخفي أطماعها فيه ) منذأكثر من ثلاثين عامًا .. وأسماها كثيرٌ من المثقفين العرب ، والمفكرين العرب ، والوحدويين العرب ،في سائر أقطار العروبة إصرارًا عربيًّا سوريًّا على وحدة بلاد الشام ،وإصرارًا عربيًّا سوريًّا على وحدة سوريا ومصر والعراق تمهيدًا لوحدةٍ عربيةٍ شاملةٍ تبني مشروعًا عربيًّا وحدويًّا تقدميًّا قويًّا على كل أرض العرب ، وإصرارًا عربيًّا سوريًّا على احتفاظ سوريا بدورٍ قياديٍّ رياديٍّ عربيٍّ قوميٍّ في صياغة مستقبل هذه الأمة العربية الواحدة من المحيط إلى الخليج ، وإصرارًا عربيًّا سوريًّا على اتّباع سياسةٍ عربيةٍ متوازنةٍ في المحافل الدولية تناصر قضايا الشعوب ، ومطالبها العادلة ، بعيدًا عن التبعية والخضوع والاستكانة والاستسلام لأطماع الغرب في كل ديار العروبة والإسلام .
وفي هذا اليوم السادس والعشرين من شباط ، وبعد مرور نحو عام على هذه الفتنة الكبرى التي هزت سوريا ، وأشعلت فيها الحرائق ، وأراقت فيها الدماء ، ونثرت في فضائها الأشلاء ، وبعد مرور نحو عام على تدفق المال والسلاح والرجال من كل جانب مصحوبًا بهذه الحملات الإعلامية المكثفة التي حرصت على قلب الحقائق ، وإشعال الحرائق ، وحرصت على التحريض العلنيّ المكشوف ضد النظام ، وحرصت كل الحرص على الوقوف إلى جانب التوجيهات الغربية ، والمطالب الغربية ، والخطط الغربية التي تستهدف وحدة سوريا ، وتستهدف كل مواقف سوريا الوطنية والقومية والتحررية والتقدمية ، وبعد كل هذا الإصرار الروسيّ الصيني على الوقوف إلى جانب سوريا ، وبعد كل هذا الإصرار السوري على المواجهة والتصدي لكل محاولات التحريض والعدوان والتدخل الصريح وغير الصريح في الشأن الداخلي السوري .. بعد كل ما حدث ويحدث في سوريا يأتي الاستفتاء على الدستور السوري الجديد الذي اطلع عليه السوريون ، ووقفوا على كل تفصيلاته ، وعلى كل ما تضمنه من إيجابيات ومكاسب لكافة المواطنين في سوريا ، فماذا سيقول الشعب السوري في هذا الدستور ؟ نعم هذا الاستفتاء الذي من المفترض أن يقول فيه نحو خمسة عشر مليونًا من المواطنين كلمتهم : فإمّا قبولاً واستجابةً وخروجًا بعد ذلك إلى الانتخابات ، وحياة البناء والإعمار والاستقرار ، وإمّا رفضًا واصرارًا على مواصلة الخوض في هذه الفتنة ، وخروجًا بعد ذلك إلى حرب أهلية مدمرة ، ومحاولاتٍ محمومةٍ للسير بالبلد نحو العرقنة أو البلقنة ، لتغرق هذه المنطقة من العالم في بحرٍ من الدماء ، ولتعصف بهذه المنطقة من العالم حروبٌ مدمرةٌ قد لا تبقي ، وقد لا تذر.
وفي هذا اليوم يبدي كثيرٌ من المراقبين والمحللين السياسيين قدرًا كبيرًا من التفاؤل ، وهم يستعرضون هذه القطاعات الواسعة ، والشرائح المختلفة من المواطنين على اختلاف توجهاتهم ومستوياتهم التي تؤيد هذا الدستور الجديد ، وهم يشيرون بذلك إلى الغالبية الساحقة من المواطنين على اختلاف طوائفهم ومذاهبهم وانتماءاتهم وثقافاتهم وألسنتهم .. إنها الغالبية الساحقة من المواطنين المؤمنين بوحدة سوريا وعزتها واستقلالها واستقرارها وثباتها على مبادئها وأهدافها.. كثيرٌ من المراقبين والمحللين السياسيين يؤكدون على أن الغالبية الساحقة من السوريين ستقف إلى جانب الدستور الجديد ، في الوقت الذي سيرفض فيه آخرون هذا الدستور ، وفي الوقت الذي سيعمل فيه هؤلاء على إفشال التصويت عليه بكل الوسائل والأساليب ، لا لنقصٍ في هذا الدستور ، ولا لعيوبٍ فيه ، ولا لأنهم يطالبون ببديلٍ أفضل ، ولا رغبةً منهم في خروجٍ مشرف من هذه الأزمة التي تعصفُ بالبلاد والعباد منذ نحو عام ، وإنما رغبةً في استمرار الفتنة ، ورغبةً في تخريب سوريا ، ورغبة في ضرب وحدة الشعب العربيّ السوري ، ورغبةً في تقسيم البلاد بعد تقسيمها في القرن الماضي .. فلا يكفي انتزاع مامساحته (10400 كم مربع )من خاصرة سوريا اليمنى هي لبنان ، ولا يكفي انتزاع ما مساحته (27009 كم مربع ) من جنوب سوريا هي فلسطين ، لتكون لبلفور الذي منحها للحركة الصهيونية ، ولا يكفي انتزاع ما مساحته ( 98000 كم مربع ) من جنوب شرق سوريا هي الأردن ..وإنما يُراد لما تبقى من بلاد الشام ومساحته ( 180000 كم مربع ) هي سوريا اليوم ، أن تصبح أربع دويلات تضاف إلى ما حدث ذات يوم !! وكثيرٌ من المراقبين والمحللين السياسيين والعسكريين أيضًا يكادون يؤكدون على أن رغبة هؤلاء في استمرار الفتنة ، وفي تخريب البلاد ،وفي تقسيمها لن تتحقق لسبب بسيط هو إصرار الغالبية الساحقة من السوريين ، وإصرار الغالبية الساحقة من اللبنانيين ، وإصرار الغالبية الساحقة من الفلسطينيين ، وإصرار الغالبية الساحقة من الأردنيين على وحدة سوريا ، وعلى تأييد هذا الدستور الجديد الذي أزال كثيرًا من الخلافات والإشكاليات التي كانت تثير الجدل في البلاد في الماضي الذي كان .. إن الغالبية الساحقة من المواطنين في كل هذه الديار تقف إلى جانب هذا الدستور السوري الجديد الذي تفتقر إلى عشر معشاره دولٌ كثيرةٌ في هذا العالم العربيّ ممن تدعي الحرص على الشعوب ، وعلى أمنها وأمانها وحريتها ، وممن تدعي مناصرة هذا الشعب العربيّ السوري ، وهي في الواقع ، ( وعلى حد قول كثيرٍ من المراقبين العرب الذين عايشوا الأحداث في سوريا على الطبيعة ) ألد أعدائه ، ولا تريد له شيئًا من خير ، أو استقرار ، أو هدوء ، وإنما تريد له الموت الزؤام ، والخراب الذي تنعق فيه الغربان.
إن ما سيقوله المواطنون السوريون في اليوم السادس والعشرين من هذا الشهر سيكون مخيبًا لكل آمال الطامعين في سوريا ، والمراهنين على وحدة شعبها ، الحالمين في إذلاله والسير به إلى الهاوية ، وإن ما سيقوله السوريون سيكون حافزًا لكثيرٍ من شعوب العرب أن تقف مطالبةً بدساتير حديثة تحترم الإنسان ، وتحافظ على كرامته ، وتحمي الأوطان ، وتحافظ على عزتها وقوتها واستقلالها واستقرارها وسلامة بنيانها .. وإن ما سيقوله المواطنون السوريون في هذا الاستفتاء سيكون فاتحة عهدٍ جديد لكثيرٍ من شعوب العرب كي تطالب بحقوقها في العيش بكرامةٍ وحريةٍ وسيادةٍ على أرضٍ عربيّةٍ حرّةٍ ترفض الضيم والتبعية والاستسلام لمصاصي الدماء أعداء الشعوب.
26/2/2012
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق