متابعات
الوحدة السورية العراقية .. هل تكون الرد ؟؟
أ.عدنان السمان
www.samman.co.nr
القطران العربيان الشقيقان سوريا والعراق يشكّلان مع القطر المصري ما اصطٌلح على تسميته في الماضي بمثلّث الحضارات في هذا الشرق الواسع المنتشر على خارطة الدنيا منذ فجر التاريخ ، بل على خارطة العالم القديم بقاراته الثلاث إن تخلينا عن شيء من التواضع ، وإن نحن استندنا فقط إلى نتائج هذه البحوث والدراسات الموثّقة التي توصل إليها الباحثون في شرق الدنيا وغربها ، وإن نحن اعتمدنا هذه الدراسات ونتائجها الموثقة أساسًا لما نقوله هنا بحق هذين القطرين السوري والعراقي ، وبحق هذا القطر المصري ، وبحق شعوب هذه الأقطار ، وبحق الحضارات القديمة فيها ، وبحق الحضارة العربية الاسلامية التي ورثت كافة الحضارات القديمة في هذه الأقطار ، وفي غير هذه الأقطار من ديار العروبة والإسلام ، ثم اعتمدتها أساسًا لحضارة عربية إسلامية شاملة بعد أن هذّبتها وأدخلت التعديلات عليها ، وبعد ان أخضعتها لذوقها ومزاجها ونظرتها إلى الإنسان والكون والحياة ، وبعد أن أضافت إليها ما أضافت من فكرها وثقافتها وإبداعها ، لتقدم للبشرية في كل أقطارها وأمصارها ، وفي كل جهاتها ووجهاتها حضاة عربية اسلامية زاهرة متزنة متوازنة ، كانت النور ، وكانت النار ، وكانت المشاعل والشموع والشموس التي أنارت للبشرية جنبات هذا الكون ، وكل منعطفاته وطرقاته وجوانبه ومنحنياته ومنعطفاته وزواياه ، وكانت هدًى وهداية وسلامًا على الأرض ، ورحمة للعالمين .
ولئن كانت هذه الأقطار الثلاثة صاحبة هذه الإنجازات الحضارية المذهلة التي قدمتها للبشرية عبر العصور ، فقد كانت هذه الأقطار صاحبة حضور ثقافي اجتماعي اقتصادي سياسي في عهد الخلافة الراشدة ، وكانت بعد ذلك المنائر والمنابر وكانت أيضًا الحواضر التي شهدت ميلاد النظم السياسية ، والأحزاب السياسية ،وما أفرزته من تحولات اجتماعية ثقافية اقتصادية في كل ديار العروبة والإسلام في هذا المشرق العربي ، وفي ذلك المغرب العربي الذي نشر سلطانه ، ووطّد أركانه ، وأقام بنيانه ونشر عدالته في قلب أوروبا ... لقد كانت دمشق عاصمة الدنيا آنذاك على مدى تسعة عقود ،قبل أن ترتفع رايات بني أمية في الأندلس على امتداد حكم نحو أربعين أميرًا وقائدًا عربيًّا أمويًّا ، وعلى مدى ثمانية قرون هي حصيلة ذلك الحكم العربي في تلك الديار .. ولقد كانت بغداد عاصمة هذا المشرق العربي بعد نجاح النظام السياسي الأموي في بناء تلك الدولة العربية الأموية في أوروبا .. ولقد كان للقاهرة بعد ذلك ،وبالتزامن معه ، شأن كبير في الحياة السياسة العربية ، وفي تجربة الحكم العربي ، وتجربة الإسلام السياسي في كل ديار العروبة والإسلام .
بعد هذه الجولة السريعة التي كان لا بد منها ، ولا غنًى عنها قبل الانتقال إلى هذا الواقع العربي المؤلم ، وبعد هذه المقدمة التاريخية الموجزة ينبغي لنا أن نتوقف قليلاً أو كثيرًا في دمشق ، وفي بغداد ، كي نستخلص العبر والدروس ، وكي نقدم صورةً أمينة للأوضاع في هذين القطرين ، وتصورًا لما ينبغي أن تكون عليه العلاقة بينهما في هذه المرحلة المفصلية الحاسمة من تاريخنا العربي الحديث الحافل بالأخطار والتهديدات ، ولنتوقف بعد ذلك في القاهرة ، كي نعيد إلى الأذهان حكاية مثلث الحضارات العراقية الشامية المصرية ، وحكاية النظام السياسي العربي في المشرق والمغرب ، وكي تقرر بعد ذلك أو قبله أن الوحدة السورية العراقية قد تكون الرد ، وأن هذه الوحدة قد تكون المقدمة الطبيعية لوحدتهما مع مصر ، وأن هذه الدولة العربية السورية المصرية قد تكون المقدمة الطبيعية لوحدة عربية شاملة على كل أرض العرب ، ووحدة عربية إسلامية كبرى تعيد الاعتبار إلى هذه الأمة الواحدة في كل ديار العروبة والإسلام ، وتعيد العقل إلى تلك الروؤس التي ما زالت تحلم بالسيطرة على هذا العالم العربي الإسلامي عن طريق تفتيت المفتّت ، وتجزئة المجزّأ عندما ترى بأم عينها هذه الوحدة العربية الشاملة ، وعندما ترى هذا التوجه الوحدوي في كل هذا العالم العربي الإسلامي ، وعندما ترى كل هذا الإصرار على الوحدة وسيلة للرد على أحلامها في التجزئة والتفتيت ، ووسيلة لتحقيق القوة اللازمة لإحقاق الحقوق في كل ديارالعروبة والإسلام .
وباختصار ، فإن بإمكان بغداد ودمشق أن تٌسقطا كل حسابات أعدائهما التي راهنت في الماضي ، ولا تزال تٌراهن ، على الخلافات بينهما : بغداد – التي خرجت من حربها مع الغزاة –منتصرة –بإمكانها أن تحمي انتصارها وتصونه وتعززه ، وأن تٌعيد إلى العراق وحدة شعبه ، ووحدة أرضه ، وبإمكانها أن تٌنقذ العراق العربي من مخاطر الاقليمية والتجزئة ، وبإمكانها أن تٌعيد إلى العرب في العراق وفي سوريا كل أمجاد الماضي العريق ، وبإمكان بغداد أن تشد أزر سوريا التي قاومت الغزاة بكل قوتها حتى تحرر العراق من رجسهم وطغيانهم : وبإمكان بغداد أن تقلب الطاولة على رؤوس كافة المراهنين على اجتياح هذا الشرق العربي ، وإقامة مشاريعهم على كل أرض العرب : دمشق اليوم في أمس الحاجة لنصرة بغداد، سوريا اليوم في أمس الحاجة لنصرة الأشقاء في العراق العربي ..سوريا والعراق بإمكانهما أن يحققا الحماية للأرض العربية في العراق وسوريا ، وأن يحققا الحماية للشعب العربي الواحد في العراق وسوريا .. سوريا والعراق بإمكانهما أن يصنعا دولًة قوية ذات خصائص ومزايا ثقافية وحضارية وجغرافية وتاريخية واقتصادية وسياسية وعسكرية ، وهما يصنعان نصرًا مؤزرًا لأمة العرب بدخول مصر العروبة في رحاب هذه الوحدة العربية التي تٌرحب بها شعوب الأمة العربية في كل أقطارها ، وتحميها بسواعدها ، وبكل إمكاناتها المادية والمعنوية .
وباختصار أيضًا فإن وحدة سوريا والعراق هي أكثر من ضرورية لحماية الحقوق العربية الثابتة في فلسطين ، وهي أكثر من ضرورية للحفاظ على قضية العرب الأولى والمركزية ، وللحفاظ على الثوابت العربية في فلسطين ، ولوضع كافة المحاولات الوحدوية المصرية العراقية السورية التي شهدتها تلك الفترة من القرن الماضي موضع التنفيذ .
21/12/2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق