متابعات
في اليومين العالميين للمعاقين وإلغاء الرق!!
أ.عدنان السمان
لئن قرر المجتمع الدولي أن يكون اليوم الثاني من هذا الشهر الثاني عشر من كل عام يومًا مخصَّصًا ومكرّسًا لإلغاء الرقّ، وتحرير الرقيق في هذا العالم، فإن هذه الأمة العربية الإسلامية التي تعتبر بدورها جزءًا لا يتجزأ من هذا المجتمع الدولي، قد مارست ذلك بمختلف الوسائل والسبل، وأنها قد تصدت لهذه الظاهرة منذ فجر الإسلام، حين أصرت الشريعة الإسلامية على تحرير الرقيق كلما كان ذلك ممكنًا، على أن تراعى في ذلك دائمًا مصلحة هذا "العبد المملوك" وعلى أن تراعى أيضًا ظروفه وأحواله، وأن تؤخذ في الاعتبار مقدرته على الاستقلال بشأنه الخاص؛ فإن كان مسنًّا مريضًا عاجزًا عن تدبير أموره، وتوفير متطلبات معيشته، وإن كان البقاء في كنف ذلك السيد (الذي جمعت بينه وبين مملوكه أخوةُ الإسلام) ولو مؤقتًا هو في صالح هذا "العبد" فلا بأس من استمرار الحال على ما هي عليه إلى أن يقضي الله أمرًا كان مفعولاً، ويكفي أن يشار هنا إلى أنه يترتب على السيد أن يعامل هذا "العبد" معاملة حسنة تليق بإنسانيته وآدميته، وأنه يترتب عليه أن يطعمه مما يأكل، وأن يلبسه مما يلبس، وأن لا يكلفه من الأعمال فوق ما يطيق، وأن لا يحول بينه وبين حريته إذا هو طلبها وأصرّ عليها.. صحيح أن هذه الشريعة لم تحرم الرق، ولم تحرر الرقيق في نص صريح مباشَر، وكل ما فعلته –كما يقولون- أنها فتحت الآفاق أمام المجتمع للتخلص من هذه الظاهرة بالتدريج، ومع مرور الوقت، وأنها قد شجعت الناس وحثتهم على التخلص منها، وإن كانت قد أبقت عليها في بعض الأحيان للأسباب التي قد مرّ ذكرها.
ومما لا شك فيه أن هذه الأمة، وأن هذه الشريعة قد حرصت كل الحرص على كرامة الإنسان، وعلى صيانة حقوقه واحترامها، وأن الإسلام لم يفرق بين الناس من حيث اللون والجنس والدين والمعتقد والوضع الاجتماعي والاقتصادي، وأنه لم يفرق بين "سيد" و "عبد"، وحاكم ومحكوم، ورئيس ومرءوس، إذ كثيرًا ما حضر خليفة الإسلام إلى مجلس القضاء، للنظر في قضية رُفعت ضده، وكثيرًا ما كان حكم القاضي النزيه لصالح المواطن ضد رأس الدولة، وضد كثيرٍ من أركانها، دون محاباة، ودون التفاف على القانون، ودون انحياز لصالح المنصب والسلطان!! كل هذا، وكثير كثير غيره، يؤكد بما لا يدع أدنى مجال للشك على أن هذه الأمة كانت السباقة لبناء المجتمع الإنساني السليم المعافى العامل القائم على أسس العدل والعدالة والمحبة والتسامح والمساواة بين جميع فئاته، وجميع مستوياته، وجميع ألوانه وأطيافه وأديانه وأعراقه.. لا فرق بين كبير وصغير، وغني وفقير، وطويل وقصير، وأبيض وأسود، وأحمر وأصفر، إلاّ بالتقوى، وإلا بالعمل الصالح، وإلا بما يقدم هذا أو ذاك من خدمة للناس؛ فأحب الناس إلى الله أنفعهم لعباده.
ولئن قرر المجتمع الدولي أيضًا أن يكون اليوم الثالث من هذا الشهر الثاني عشر من كل عام يومًا لإنصاف المعاقين، والاهتمام بهم، وتلبية طلباتهم، واحتياجاتهم، فإن هذه الأمة التي جبلت على التعاطف، والمواساة، والشعور مع المصابين، وعيادة المرضى والمنكوبين، وحب الخير للآخرين، قد ضربت المثل الأعلى في القيام بهذا الواجب المقدس تجاه كل المعاقين من أبنائها، وبناتها، وما أكثر هؤلاء المعاقين! وما أكثر هذه الإعاقات، وما أشد وطأتها على النفس والشعور والوجدان! وما أشد حاجتنا للعمل من أجل هؤلاء المعاقين الذين هم جزء لا يتجزأ من هذه المجتمعات البشرية التي يفترض أن تعمل من أجل سعادة أبنائها، ومن أجل هنائهم، وطيب عيشهم ورِفائهم.
ولعل من هؤلاء المعاقين من يولد معاقًا، ولعل منهم المعاق حركيًّا، أو سمعيًّا، أو بصريًّا، أو عقليًّا.. ولعل منهم من كانت إعاقته ناجمة عن مرض ألمّ به، أو حادث سير تعرض له.. ولعل منهم من نجمت إعاقته عن إصابة أو اعتداء همجي أفقده بصره، أو يده، أو رجله، أو رجليه كلتيهما، أو اعتداء وحشي أصابه بالشلل الجزئي، أو النصفي، أو الكلي.. وها نحن في مجتمعنا هذا نشهد آلافًا من هذه الحالات التي أصيب فيها شباب في عمر الورود بهذه الإعاقات.. وسواء كانت الإعاقة طبيعية ولدت مع المعاق عندما رأت عيناه النور، وعند بداية عهده بالحياة إن لم تتمكن عيناه من رؤية النور، أو كانت بفعل فاعل، أو لهذا السبب أو ذاك؛ فإن المجتمع الإسلامي قد حرص منذ أقدم العصور على علاج هؤلاء المعاقين علاجًا جسديًّا ونفسيًّا، عندما كان هذا المجتمع في يومٍ من الأيام أكثر مجتمعات العالم تقدمًا وتطورًا، وأكثرها سبقًا في ميادين الطب وغير الطب، وأكثرها رأفةً بالإنسان، وحرصًا على حياته ومشاعره وكرامته، وعندما كان الإحسان إلى الناس أصحائهم ومعاقيهم من أفضل الأعمال التي يتقرب بها صاحبها من الله.. وعندما كان هذا المجتمع أيضًا أكثر مجتمعات الأرض رفقًا بالحيوان، وأشدها حرصًا على راحته وسلامته، وأكثر مجتمعات الأرض رفقًا بالشجر والزرع، وحرصًا على الطبيعة وجمالها... نعم لقد حرص المجتمع الإسلامي، وحرصت شريعة الإسلام على هذا كله، وعلى كثير غيره مذ كانت هذه الشريعة، ومذ كان هذا المجتمع، والأمر ليس بحاجة لضرب الأمثلة، والإتيان بالشواهد، فكل ذلك من الأمور المعروفة في تاريخ هذه الأمة، ومن الأمور التي يشهد بها العدو قبل الصديق.
بقي أن نقول في اليوم العالمي لإلغاء الرقّ الذي يصادف اليوم الثاني من هذا الشهر، وفي اليوم العالمي للمعاقين الذي يصادف اليوم الثالث منه: إن على هؤلاء الذين ما زالوا يتجرون بالرقيق الأسود والأبيض، والذين ما زالوا يتاجرون بالشعوب ويسترقّونها وينهبون ثرواتها ومقدَّراتها ويقصفونها بوابل من حمم الموت والدمار والإبادة في كثير من أقطارها، ويتسببون في إعاقات ومصائب لا تعد ولا تحصى لشيبها وشبابها أن يتعلموا من تاريخ الإسلام، وثقافته، وعدالته، وتسامحه، وحرصه على سعادة البشرية وأمنها وأمانها، وأن يتعلموا من مبادئ الإسلام وتعاليمه كيف تكون الحياة، وتصان الحريات والكرامات، وتلغى العبودية، وتصان كرامة المعاق وحقوقه.
1/12/2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق