مواجهات
ألا يخجل هؤلاء الإعلاميون من أنفسهم؟؟
(سيمثُل هؤلاء قريبًا أمام القضاء العادل)
أ. عدنان السمان
www.samman.co.nr
الشللية والفئوية والقبلية والإقليمية والطبقية والتبعية، وغير ذلك من العلل السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والنفسية التي ابتليت بها أمم كثيرة على مر العصور والدهور كانت دائمًا وأبدًا وباستمرار الشغل الشاغل للمفكرين والمصلحين وعلماء السياسة والاجتماع، وصانعي الرأي العام وموجهيه، من إعلاميين وصحافيين ومفكرين ومبدعين وفنانين وكتاب وشعراء.. وكانت دائمًا وأبدًا وباستمرار التحدي الأكبر أمام قادة الأمم وفلاسفتها وثوارها ومفجري ثوراتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وكانت الحرب سجالاً بين كل هذه العلل والآفات وعوامل الهدم والضعف والانحراف والفساد والإفساد والتخلف والتبعية السياسية والثقافية والاقتصادية من جهة، وقادة التغيير والإصلاح والتقدم والاستقلال من جهة ثانية، وكانت النتائج في مجملها إيجابية، وكانت الشعوب تجني نتائج تلك الثورات والحركات التحررية في كثير من الأحيان حتى في حال فشل تلك الثورات والحركات، أو عدم مقدرتها على تحقيق كامل أهدافها وغاياتها وتطلعاتها المعلنة.
حركة التاريخ لا تعرف التوقف والسكون، وجزيئات المادة لا تعرف التوقف والسكون، وعزائم الثوار والمفكرين والمصلحين وقادة الفكر والرأي أيضًا لا تعرف التوقف والسكون مهما جلت التضحيات، ومهما اشتدت الظلمات، واستبدت بالناس بين الحين والآخر هذه العقبات والصعوبات والتحديات، وتكالبت عليهم هذه التحالفات، والتقت مصالح هؤلاء وأولاء وأولئك، وزين بعضهم لبعض سوء أفعالهم، وبشاعة تصرفاتهم وتوجهاتهم، وراح بعضهم يكيد لبعض، وراح بعضهم يكيد للناس، وراح بعضهم يتنكر للوطن الذي نماه، وعلى ترابه حبا وربا ودرج وشب وترعرع، وراح بعض بعضهم يبيع ما توارثه الخلف عن السلف، وما افتدته الأجيال جيلاً بعد جيل، وعلى تعاقب الدهور وكر العصور بالغالي والنفيس، وراح بعض البعض هذا يتبرأ مما وجد عليه آباءه وأجداده في عتوٍّ ونفور واستكبار!!... وحركة التاريخ لم ترحم في يوم جبانًا، أو متآمرًا، أو متواطئًا، أو ملتفًّا على قضايا أمته، متنكرًا لها، متاجرًا بها، متآمرًا عليها، مهما واكب ذلك ورافقه وصاحبه من "فبركات المفبركين"، وتزوير المزورين، وأكاذيب الأدعياء الكاذبين، وأبواق الناعقين الناعبين المتلاعبين، وأعمدة الضالين المضلين، وفتاوى الفاسدين المفسدين، وكل تآمر المتآمرات والمتآمرين... وحركة التاريخ أيضًا أثبتت في الماضي، وتثبت اليوم، وستثبت في كل يوم أن الناس ليسوا من الغباء كما يظن هؤلاء الإعلاميون الذين يدسون لهم السم في الدسم، وأن الناس يعرفون عن هؤلاء ما يعرفه هؤلاء عن أنفسهم، بل ربما كانوا يعرفون أكثر مما كان هؤلاء يعرفون عن أنفسهم، وأن الناس قد يسكتون، وقد يتظاهرون أيضًا بالغباء، وقد يطول صمتهم، ولكنهم "يقينًا" يتكلمون في الوقت المناسب، ويقولون كل ما يريدون قوله في الوقت المناسب، بعد أن قالوا بعيونهم ما لم يقله هؤلاء وأولئك في إعلامهم الكاذب الخائب المتواطئ المسموم، وبعد أن قالوا بحركات أيديهم وأصابعهم، وبغمزات عيونهم، وهمس شفاههم، ما عجز هؤلاء " المفبركون" عن قوله، وسمعوا بعقولهم وقلوبهم ومشاعرهم وأحاسيسهم غير الذي أُسمعوه بآذانهم.. فويل لهؤلاء الكاذبين المتواطئين ممن استباحوا شرف الكلمة وطهرها وعفتها، وويل لهؤلاء الكاذبين المزورين ممن حاولوا خداع الناس، وتشويه الحقائق، وويل لهؤلاء الكاذبين المتآمرين المحتالين الذين حاربوا الفكر والرأي والاجتهاد والتوجه السليم، وحاربوا كثيرًا من كتّاب هذه الأمة ومفكريها ومثقفيها ومبدعيها وإعلامييها الذين حملوا قضاياها في سويداء القلوب، وصانوها وحفظوها في حبات العيون، وصدروا عن هذه القضايا والثوابت في كل ما يقولون، وفي كل ما يكتبون.. ويل لهؤلاء الكاذبين عندما يقول الناس فيهم كلمتهم، وعندما يقول القضاء العادل فيهم كلمته، ويل لهم من غضبة أمة إذا غضبت، ومن ثورة أمة إذا ثارت وتمردت وزأرت وانتقمت، ويل لهم بما كانوا يعتدون، وويل لهم مما كانوا يصنعون.. وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون.
قد يكون من حق هذا الكاتب أو ذاك أن يكتب ما يريد، وقد لا يكون، وقد يكون من حق هذه المطبوعة أو تلك أن تنشر لهذا الكاتب أو ذاك، وأن تختار لنفسها خطًّا معينًا ترتضيه لنفسها، ولكن ليس من حق أحد أن ينتحر، وأن يدعو في الوقت نفسه إلى الانتحار!! وليس من حق مطبوعة أن تتبنى وجهة نظر دون سواها، وأن تفرض كل هذا التعتيم على وجهات النظر الأخرى، ليس من حق أحد أن يفرض رأيه على أحد، وليس من حق أحد أن يمنع أحدًا من قول ما يريد إلا إذا كان هناك توجه بقمع حرية الرأي والتفكير والتعبير، وهذا أمر مرفوض من ألفه إلى يائه، ومن يائه إلى ألفه، شاء من شاء وأبى من أبى، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون.
لو كان هؤلاء الإعلاميون، وهؤلاء العاملون في حقل الإعلام يدركون أن الإعلام أمانة بكل ما لهذه الكلمة من أبعاد ومضامين، وبكل ما لها من قداسة، ولو كانوا يدركون من شرف الكلمة وطهرها ما ينبغي لهم أن يدركوه لما فعلوا بها ما يفعلون، ولما باعوها في سوق النخاسة كاسية عارية لقاء عرض زائل، ومتاع حقير فان، ومطامع رخيصة.. ألا ساء ما يحكمون.
ألا يخجل هؤلاء الإعلاميون من أنفسهم وهم يروجون للأجنبي، ويسبحون بحمده، ألا يخجلون وهم يكذبون ويفترون على عباد الله ويسيئون إليهم، ألا يعلم هؤلاء أنه ما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع؟ ألم يسمعوا بما حل منذ أيام بواحد من كبارهم؟ ألم يعتبروا؟ ألم يسمعوا بما تنشره "ويكيليكس"، وبما ستنشره؟ إن كان هؤلاء بلا ضمير يردعهم، أفلا يخشون سوء العاقبة والمصير عندما تتبدى سوءاتهم، وتتكشف عوراتهم بسقوط ورقة التوت؟!
ثم لماذا يدسّون أنوفهم فيما لا يعنيهم، ويهرفون بما لا يعرفون، ويفترون على من خالفهم الرأي والتوجه والهدف خدمة لهذه الجهة أو تلك الفئة؟... قولوا لهؤلاء إنهم أكثر من مخطئين ، وإنهم سيمثُلون يومًا أمام القضاء العادل ليقول فيهم كلمته، وإنني لعلى يقين أن هذا اليوم لن يكون بعيدًا، وأنه أقرب إليهم من حبل الوريد.
24/9/2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق