نسخة معدلة
متابعات
الأردن للأردنيين.. وللفِلَسطينيين وطنُهم!!
أ. عدنان السمان
حتى لا يتبخر كثير مما يُكتب أو يُقال في الصيف ليصبح مثل ذكرى حزينة وطيف.. وحتى لا يختلط الحابل بالنابل، والنابل بالحابل، والقادم بالراحل، والراحل بالقادم، والآجل بالعاجل، والعاجل بالآجل.. وحتى لا يحدث كل هذا الغمّ والهمّ، وكل هذه الجَلَبَةِ والحركةِ والإرباك، فإنه لا بد هنا من وضع النقاط على الحروف، ولا بد هنا من قولها واضحة صريحة متمسكةً بالحقوق، متشبثةً بالثوابت، لا تخشى في الحق لومة لائم!! إنني هنا لا أنقد فردًا، أو مجموعة من الأفراد، أو مؤسسة، أو نظامًا متَّبعًا في مؤسسة.. ولا أنتقد حتى هذه النُّخب التي ألفَتْ نفسها في مواجهة مستمرة لا يمكن أن تتوقف، أو تهدأ مع كل صوت جادٍّ جريء يطالب (فيما يطالب به) بتحريرها مما هي فيه من تخبّط واضطراب ، ومما هي عليه من تشنّج وتوتّر، وتناجش، وما تؤول إليه حالها من تنابذٍ وتخاصمٍ وتدابرٍ واغترابٍ واحتراب.. نعم والله، إنني لا أنتقد هنا أحدًا، وإنما أطلقها زفرةً تعبّر عما في النفس من ألم مُمِضٍّ سببه ومصدره على حد قول الشاعر العربي: وظلم ذوي القربي... نعم والله، إنه لأشدّ مضاضةً على النفس من وقع الحسام المهنّد، ومن الحكم على الأبرياء بالسجن المؤبّد، بل إنه لأشد مضاضةً على النفس من وقع القذائف المدمرة التي تحرق كل شيء بنيرانها، وتضع نهاية لكل شيء بأحقادها وسمومها وقدرتها على الإحراق والتقتيل والترويع والتدمير.
وحتى لا يكون الأمر مثل صرخة في واد، وحتى نجنّب البلاد والعباد كل شرور أنفسنا، وكل سيئات أعمالنا، وكل أنواع الدسائس والمكائد والمؤامرات التي تحاك خيوطها هنا وهناك وهنالك بدهاء، ومقدرة على الانتقال من هذه المرحلة إلى تلك؛ فإن علينا جميعًا على كل أرض الوطن، وفي كل ديار الغربة والشتات واللجوء أن نعلن للدنيا كلها موقفنا الواضح الصريح من كل ما يُطرح من أفكار تحمل في أنيابها السم الزعاف لشعبنا العربي الفلسطيني، ولقضيته العادلة.. نعم إن علينا جميعًا أن نعلن رفضنا القاطع لفكرة الأوطان البديلة، ورفضنا القاطع لفكرة التوطين، ورفضنا القاطع لفكرة التعويض، ورفضنا القاطع لفكرة التنازل عن المواقف، والثوابت، والحقوق الوطنية، والتاريخية التي يعرفها الناس جميعًا في هذه الديار، وفي غير هذه الديار من ديار العروبة والإسلام، وفي هذا العالم أجمع.
نعم.. علينا أن نرفض كل اقتراح من شأنه أن يزيد من متاعبنا، ومن معاناتنا، ومن ضياع حقوقنا الثابتة في بلادنا فلسطين، ومن ضرب علاقاتنا بالأشقاء في كل ديار العروبة، وفي أقطار الجوار منها على وجه التحديد... إن ما نسمعه من أن الأردن هو وطن الفلسطينيين ، وأنه هو الدولة الفلسطينية التي من الممكن أن تقام إلى جانب الدولة العبرية هو كلام لا يبغي قائلوه منه سوى الفتنة، وجرّ كل أهل هذه الديار إلى معارك جانبية لا تفيد إلا أصحاب هذه الأفكار الغريبة الشاذة التي لن تخرج بأي حال من الأحوال إلى حيز التنفيذ… إن هذه الأفكار الغريبة يجب أن تُرفَض جهارًا نهارًا وعلى رؤوس الأشهاد، ومن كل الفئات والجهات والمستويات في هذا الوطن، ومن أمة العرب في كل أقطارها، ومن جامعة العرب ممثلة بأمينها العام، ووزراء خارجيتها، ومن لجنة المتابعة العربية أيضًا، وعلى لسان قادة هذه الأمة الذين آن لهم أن يقولوها بكل صراحة وجلاء ووضوح إن للفلسطينيين وطنهم، أما الأردن فهو للأردنيين، وهو أيضًا لكل العرب، شأنه في ذلك شأن سائر أقطار العروبة.. إننا نرفض أن يكون الأردن دولة للفلسطينيين، ونرفض أن نحمل الجنسية الأردنية إلا بمقدار ما يساعدنا ذلك على تحقيق أهدافنا وتطلعاتنا الوطنية والقومية، ويخدم قضايانا، وأهدافنا في التحرير، والتحرر، وتقرير المصير، وبناء دولة الوحدة العربية الكبرى على كل أرض العرب…
الأردن للأردنيين.. والفلسطينيون فيه أشقاء يقيمون على أرضه بين أشقائهم، لا فرق بينهم في الحقوق والواجبات، يتعاونون على إعماره وبنائه ويتعاونون على حمايته من أي عدوان، ويتعاونون جميعًا على المحافظة عليه بلدًا عربيًّا إسلاميًّا مثل غيره من كل أقطار العروبة، وفي كل ديار الإسلام… أما أن يكون وطنًا بديلاً، فأمر مرفوض فلسطينيًّا، وأردنيًّا، وعربيًّا، وإسلاميًّا، ودوليًّا،.. إنه دعوة لفتنة سيقضي عليها الشعبان في مهدها، كما قضى هذان الشعبان على كثيرٍ من الفتن، وعلى كثيرٍ من المؤامرات مذ كانت هذه القضية الفلسطينية، وحتى يومنا هذا.
ومما لا شك فيه أن للفلسطينيين وطنهم الذي يعيش فيه نصفهم، وسيعود إليه نصفهم الذي يعيش في ديار الاغتراب واللجوء منذ عام النكبة الأولى، ومنذ عام النكبة الثانية أيضًا… وما من شكٍّ في أن الفلسطينيين جميعًا تواقون للسلام العادل الدائم الشريف المتكافئ الذي يعيد الحقوق إلى أصحابها، والذي لا غالب فيه ولا مغلوب.. وقد بات معروفًا لدى المحافل الدولية أن الفلسطينيين يطالبون بدولة ضمن حدود الرابع من حزيران تكون قابلة للحياة، وذات تواصل جغرافي، خالية من المستوطنات والمستوطنين، عربية حرة ذات سيادة تبلغ مساحتها الإجمالية ستة آلاف ومئتين وسبعة وخمسين (6257) كيلومترًا مربعًا، حيث أن مساحة الضفة الغربية تبلغ خمسة آلاف وثمانمائة وتسعة وسبعين (5879) كيلومترًا مربعًا، وتبلغ مساحة قطاع غزة ثلاثمائة وثمانية وسبعين (378) كيلومترًا مربعًا.
إن هذه الدولة الفلسطينية التي يطالب بها الفلسطينيون على علاتها، وعلى الرغم من أنها لا تلبي طموحات الفلسطينيين، ولا تحقق أهدافهم، ولا تحق كثيرًا من حقوقهم إلا أنها تصطدم بالممارسات الإسرائيلية، وبالنوايا الإسرائيلية التي تريد أن تجرّدها من كل مضامينها ومعانيها بالإبقاء عليها جيوبًا ومعازل ضمن الدولة العبرية القائمة على أرض الواقع من البحر إلى النهر… الإسرائيليون لا يريدون الانسحاب من القدس، ولا يريدون الانسحاب من الضفة الغربية، ولا يريدون رفع الحصار عن غزة، ولا يريدون إخلاء المستوطنات القائمة في الضفة الغربية، بل على العكس من ذلك، فإنهم يوسعون هذه المستوطنات كل يوم، ويضمون إليها أجزاء من أرض الضفة الغربية والقدس في كل يوم، فإذا قال لهم قائل: إن ما تفعلونه مخالف للقوانين الدولية قالوا: إنها أرضهم يفعلون بها ما يشاءون!!
إن الإسرائيليين يرفضون عودة اللاجئين والمهجَّرين الفلسطينيين أيضًا، ويرفضون رفع أيديهم وأرجلهم عن مصادر الطاقة، والمياه الجوفية، والثروة المعدنية، والفضاء، والمعابر، والحدود… وباختصار فإن الإسرائيليين يريدون كل أرض فلسطين التاريخية البالغة مساحتها سبعة وعشرين ألفًا وتسعة (27009) من الكيلومترات المربعة، ويريدون (السلام) مع الفلسطينيين، ومع العرب، ومع المسلمين… فكيف كان ذلك؟؟
وبعد،
فإن الأردن للأردنيين، كما أن سوريا للسوريين، والعراق للعراقيين، ومصر للمصريين.. كل ذلك في إطار وطن عربي واحد موحد يعيش فيه أبناء الأمة العربية الواحدة من المحيط إلى الخليج، ويقيمون عليه مشروعهم، ويبنون دولتهم الكبرى التي تضمن الأمن والأمان والكرامة لكل العرب في سائر أقطارهم وأمصارهم، بما في ذلك القطر العربي الفلسطيني، وطن الفلسطينيين منذ فجر التاريخ، وإلى قيام الساعة.
18/9/2011
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق