عزيزتي .. عزيزي


ما أجمل أن نلتقيَ على كلمة طيبةٍ في كلَّ يوم ! ما أجملَ أن نلتقيَ لِنحقَّ حقا ، ونزهقَ باطلا ونحيي ثقافة ، وننصفَ مظلومًا ، وننقدَ واقعًا أليمًا ، ونوقدَ شمعة تمزق من حولنا الظلام .
أعزائي .. يا أنصارَ الحق ، وطلابَ الحقيقة ، ومحبي الخير والجمال أفرادًا ، وجماعاتٍ ، ومجموعاتٍ ، ومؤسساتٍ ، نساءً ، ورجالا ، فتية ، وفتيات .. يا كلَّ المؤمنين بحق شعبنا العربي الفِلسطيني في العيش باحترام ، وأمن ، وأمان فوق ثرى وطنه الغالي فلسطين .. ويا كلّ عشاق هذه اللغة العربية من أبنائها وبناتها ، ومعلميها ومُتعلميها .. يا كلّ شعبنا.. يا كلّ العرب .. يا كلّ المؤمنين بحق الشعوب في الخلاص من التبعية ، والاستعباد ، والاستبداد ، وبحقها في التحرر، والبناء ، والإعمار ، والسيادة على ترابها الوطني ... هذا موقعكم .. ستجدون فيه ما يسركم من فكر ، ورأي ، ومقال سياسي ، واجتماعي ، واقتصادي ، وثقافي ، ونقدي ، وأدبي .. ستجدون فيه نثرًا وشعرًا ، وقصة ، وحكاية ، وستجدون فيه كتبًا ، ومتابعاتٍ ، ومقابلاتٍ ، ومواجهاتٍ ، ومراسلاتٍ ، ومساجلاتٍ ..ستجدون فيه كثيرًا مما كتبتُ على امتداد العقود الماضية ، وبخاصة في " القدس " المقدسية ، والبيادر السياسي ، وغيرهما من مطبوعات هذه الديار وصحفها .. وسأوافيكم من خلاله بكل ما سأكتب ... مكتفيـًا في هذه المرحلة بالكتابة إليكم ، حتى إذا ما فرغتُ من إحياء ما لديّ من قديم( مخطوطٍ ومطبوعٍ) ووضعتـُه بين أيديكم في موقعكم هذا ، وتفرغتُ بشكل كامل للكتابة في قضايا الساعة فتحتُ المجالَ أمامكم للمشاركة ، والمساهمةِ ، والنقاش والحوار ، والأخذ والرد على غرار ما تفعله كثير من المواقع الرائدة التي نكنّ لها كل الاحترام ، وندين لها بالولاء والعرفان ، ونتقدم منها بالتحية والتقديروالامتنان .
أرحب بكم في موقعكم هذا .. موقع الأسرى ، والعمال ، والفلاحين ، والطلبة ، والمثقفين ، والكتـّاب ، والأدباء ، والشعراء .. موقع المؤسسات ، وكافة أحرار هذا الوطن وحرائره ..مثمنـًا وقوفكم إلى جانبي .. آملا أن يكون لي شرف الإسهام في خدمة الوطن والمواطن في بلادنا العزيزة فِلـَسطين .. وفي كل ديار العروبة والإسلام.
عدنان السمان
15/6/2008


الأربعاء، ٢٥ آذار ٢٠٠٩

 

(حكايات من زمن التيه)

هذا هو القسم الثاني من كتاب " زمن التيه" ويشتمل على أربعين عنوانًا تشكل القسم الثاني من هذا الكتاب:

30ليلة

 

                                              بقلم :عدنان السمان

 

ليــلـــــة

 

    المدن، والقرى، والمخيمات جميعًا في فلسطين تحترق.. كل شيء في فلسطين يحترق: عيون الأطفال.. قلوب الشيوخ والأمهات.. صدور الشباب... إطارات السيارات المشتعلة تملأ الجو لهيبًا بلون الدم، ودخانًا كثيفًا بلون الحقد والكراهية... القنابل الضوئية تنتشر شموسًا، فتحيل الليل البهيم نهارًا مبصرًا... صرخات تُسمع هناك... شباب، وكهول، وشيوخ يُقتادون إلى جهات مجهولة قسرًا، وبأسلوب غاية في العنف.. وقد انتصف الليل أو كاد... وأصوات عالية تشق جوز الفضاء.. تمزق سكون ليل الأسارى والخانعين في الأقطار المجاورة لفلسطين تنطلق قوية مجلجلة بهذا الهتاف الأبدي: الله أكبر، والويل للغزاة.. الله أكبر، والموت للطغاة.. الله أكبر، وعاشت فلسطين.. الله أكبر، والنصر للثوار.. بالروح بالدم نفديك يا شهيد.. بالروح بالدم نفديك يا فلسطين... من أقصى هذا الوطن إلى أقصاه.. من أعالي جنين شمالاً، وحتى الحدود المصرية في أقصى جنوب قطاع غزة.. ومن أريحا وطوباس في أغوار أبي عبيدة عامر بن الجراح شرقًا، وحتى خط الهدنة على امتداد الخط الأخضر غربًا كان الإضراب الشامل، وما سبقه ولحقه من أيام الحداد على أرواح الشهداء، والاحتجاج على عمليات المداهمة والمصادرة والاعتقال والتنكيل يدخل يومه الرابع.. فلا تكاد ترى، أو تسمع في فلسطين كلها إلا صدى انتفاضة شعب قرر استرداد حريته من غاصبيها، وإلا أعمال قمع وانتقام يقوم بها جيش احتلال بأكمله، لتركيع هذا الشعب، وقمع انتفاضته.

    كنت في  تلك الليلة الحالكة السواد في ضيافة صديق قديم رآني مصادفةً في جنين، وأقسم عليَّ أن أعود معه إلى "ميثلون" كي أبيت ليلتي هناك.. ولم يكن من الموافقة بد، فالناس في جنين ومخيمها، وميثلون، وقباطية، واليامون، وعرابة، ويعبد، والجلمة، وبرطعة، وطورة، وكفر راعي، والسيلة، وعقابا، ورابا، وجبع، ومسلية، وعنزة... وفي كل قرى جنين وبلداتها أناس طيبون يتصفون بالشهامة والكرم والصدق... ولعمري فإنني دائم الحنين لمواويلهم، وأعراسهم، وأصوات زجّاليهم، ومنشديهم.. حيث رخامة الصوت وصفاؤه، ونقاء السريرة والروح والضمير... لقد قالوا قديمًا: "مبيت ليلة في الحيرة خير من علاج سنة" وأنا أقول: "مبيت ليلة في ميثلون أحب إليّ من الدنيا وما فيها"... لقد كان من الطبيعي أن يكرم صديقي الميثلوني وفادتي، وأن أنعم على مائدته بعشاء عظيم، وأن أتذوق بعد هذا العشاء أحلى بطيخ لا تجده إلا في ميثلون بخاصة، وفي منطقة جنين بشكل عام.

    قلت لصديقي القديم: أرى عندك في هذه الحظيرة شتى أصناف الحيوانات الأليفة والطيور الداجنة.. لقد سبق أن زرتك من قبل، ولم أشاهد شيئًا من هذا.. فما سر ذلك؟

    قال : صحيح أنني أهتم بتربية بعض الأغنام والطيور منذ عشرات السنين.. ولكن اهتمامي هذا تضاعف كثيرًا، وبشكل يلفت النظر في المدة الأخيرة.. وهذا الاهتمام بالثروة الحيوانية – كما تعلم – كان توجّهًا عامًّا في الريف الفلسطيني منذ بداية الانتفاضة، وذلك لتوفير احتياجات الناس من اللحوم والألبان، وما إلى ذلك.. لو تجولت قليلاً في البلدة لرأيت أن اهتمام الناس هنا بالثروة الحيوانية لا يقل أبدًا عن اهتمامهم بالزراعة مهنتهم الأولى .. ومهما يكن من أمر، فهذا يكمل ذاك، والمهم في نهاية الأمر أن نتمكن جميعًا في المدن وفي الأرياف من تحقيق نوع من التكامل في اقتصادنا، ولاسيما المنزليّ منه، وتوفير البدائل لكثير من المنتوجات والمصنوعات التي قرر شعبنا مقاطعتها، والاستغناء عنها منذ الأيام الأولى لانتفاضته.

    قلت: هل نجحتم في ذلك؟

    قال: إلى حد ما.

    قلت: ما أبرز المشكلات التي تواجهكم في هذا المجال؟

    قال: مشكلاتنا يا صديقي كثيرة.. ولكنها في هذا المجال بالذات تتلخص في الغلاء الفاحش الذي طرأ على أسعار الأعلاف مؤخرًا.. وفي عدم الاهتمام الكافي من قبل دوائر الصحة والبيطرة بهذه الثروة الحيوانية الهائلة.. مما تسبب في إصابة كثير منها بالأمراض، وبالتالي انتقال هذه الأمراض إلى الإنسان.. وغني عن القول إن ضيق المساحات المخصصة للرعي في البلاد بشكل عام يسبب لنا مشكلة كبيرة، فلقد أقدمت سلطات الاحتلال على مصادرة مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية والمراعي، ولم تترك للناس في أغلب الأحيان ما يكفي لاحتياجاتهم من أراضيهم.. أضف إلى ذلك غياب عملية التنسيق بين  القرى المختلفة الأمر الذي سبب فائضًا في نوع من الحيوانات أو الطيور.. بينما تفتقر الأسواق المحلية إلى أنواع أخرى.. والأمر ليس جديدًا، فما كنا نعاني منه في مجال الزراعة أصبحنا نعاني منه الآن في مجال الثروة الحيوانية.. ومن الممكن أن نضيف عاملاً آخر وهو تعرض سلطات الاحتلال بين الحين والآخر لبعض مزارع الدواجن في البلاد بالهدم والإتلاف بحجة عدم حصول أصحابها على التراخيص اللازمة.. وما إلى ذلك من حجج وأسباب.. ولكنك تعرف السبب الحقيقي.. إنه محاولات التخريب المتعمد التي يمارسها الغزاة لقتل اقتصادنا، وتجويع شعبنا، وتركيعه.

    ولقد تحدث صديقي الميثلوني في موضوعات كثيرة، وكانت أحاديثه ممتعة مسلية، وذات دلالات عميقة تنمّ عن وعي وصدق ودراية... فكما تحدث في الاقتصاد تحدث أيضًا في السياسة مؤكّدًا على أن نضال شعب فلسطين من أجل نيل حريته واستقلاله وتقرير مصيره فوق تراب وطنه لا يمكن أن يضيع هدرًا، فلكل مجتهد نصيب.. ولابد لكل ليل من آخر مهما طال.. وللباطل جولة ثم يضمحل.. وشعب فلسطين شعب صابر مرابط.. وهو شعب الرجولة والتضحيات.

    قلت لصديقي: هل تحدثني عن سلبيات هذه الفترة في منطقتكم؟ وبماذا تنصح الشباب؟

    قال: ولماذا لا نتحدث في الإيجابيات؟ لا أحب الحديث في السلبيات.. هذا إذا افترضنا وجودها في منطقتنا.... وأما ما أنصـح به الشباب فكثير... تعلم يا صديقي أن الشباب بشكل عام قليلو التجربة.. شديدو الاندفاع والحماسة.. وهم  - دون شك- أنقياء أبرياء شرفاء.. فإذا أضيف إلى إيجابياتهم هذه حكمة الشيوخ وتجربتهم فإن هذا يجنبهم الوقوع في أخطاء أو تجاوزات هم في غِنًى عنها.. صحيح أن الكمال لله وحده.. ولكن أخذ آرائنا نحن الشيوخ بعين الاعتبار من شأنه أن يبلغ بهم أقصى درجات الكمال.. إن من  شأنه أن يجنبهم مواطن الزلل، ويوفر عليهم كثيرًا من العثرات.. قد تقول لي إنهم ليسوا وحدهم.. وإن بينهم كثيرًا من أهل الرأي، وأصحاب التجارب.. ولكنني أقول إن هذا غير كاف.. إن لم يكن في كافة المناطق ففي كثير منها... شيء آخر لا بد من الإشارة إليه هو الوحدة.. لا تستغرب يا صديقي هذا المطلب.. فأنا لا أطالب بوحدة الأمة العربية من المحيط إلى الخليج، ولكنني أطالب بوحدة أبناء القرية الواحدة! وأبناء المخيم الواحد! وأبناء الحي الواحد في المدينة! أطالب بهذه الوحدة لأسباب أهمها أنها قوة، وأننا جميعًا بحاجة لمزيد من القوة.. أعني القوة بكافة أشكالها وصورها.. ثم إنها الوسيلة الوحيدة لضمان عدم إيقاع الظلم بأي مواطن بريء.. وما أسوأ الظلم، وأمرّ طعمه، وأوخم عواقبه! فكيف إذا اقترن الظلم بالاعتداء؟ وكيف إذا وصل الاعتداء حد التصفية الجسدية؟ أعتقد أن شيئًا من هذا ما كان ليحدث لو تسلح شبابنا بسلاح الوحدة، وتحصنوا بحصنها الحصين.. إذن لعصمتهم هذه الوحدة من الخطأ.. ولدفعت هذه الوحدة الالتباس، وأحلت محله نور اليقين، ووفرت على شعبنا أخطاء بل خطايا يجب أن لا تحدث... شيء آخر لا بد من التوجه به إلى بعض أبنائنا هو أن السلطة مركب صعب محفوفة طريقه بالأمواج المتلاطمة، والتيارات الغادرة القاتلة، والدوامات الخادعة الساكنة المؤدية إلى الويلات والمهالك... فليكن حذرًا من ارتضى لنفسه الصعود إلى هذا المركب.. وليكن دائمًا مفتوح العينين، حاضر الذهن، ذكي الفؤاد، نقي الضمير، شديد الثقة بالنفس في غير غرور أو افتتان بمظاهر السلطة والسلطان.. وإلا فإنه يمارس بقصد أو بدون قصد لونًا أو أكثر من ألوان الاستبداد، أو العدوان على الناس في أنفسهم، أو في ما تبقى لهم من ممتلكات.. وهذا خطر جسيم لا بد من التحذير منه قبل أن يتسع الجرح، ويصعب الرتق، ويزداد الفتق سوءًا، ويحدث ما لا تُحمد عقباه... هكذا تكلم صديقي الميثلوني.. وهكذا ظل ينطق بالحكمة في تلك الأمسية اللطيفة الهادئة هدوء نفس محدثي حتى نمنا دون أن ندري كيف كان ذلك.. وإن كنا ندري يقينًا كيف أفقنا.. بل كيف أفاقت تلك البلدة الوادعة.. وكيف استقبلت نبأ استشهاد أحد أبنائها... صوت طلقات مزقت سكون الفجر... الشباب يتصدون بصدورهم العارية لمحاولة اقتحام تستهدف استباحة البلدة.. أعين الشباب الساهرة كانت بالمرصاد... لم يتمكن الشباب من العودة بجثمان الشهيد.. بل عادوا يحملون عددًا من جرحاهم... ودوّت في جو البلدة كل الأصوات: الله أكبر.. وعاشت فلسطين.. بالروح بالدم نفديك يا شهيد.. بالروح بالدم نفديك يا فلسطين... كل أهالي البلدة كانوا يرددون الهتاف الأبدي وهم يتسابقون لنجدة الشباب الذين اصطبغت ملابسهم بالدماء وهم يحملون جرحاهم.. بينما تجمعت قوات محمولة من جيش الاحتلال عند نقطة التقاطع مع الشارع العام الموصل بين جنين ونابلس حيث مدخل ميثلون.

 

 

(1988)



ليست هناك تعليقات: