متابعات
حول خريطة التسوية الإسرائيلية المقترحة في آب 2008
أ. عدنان السمان
جاء في الأذن اليسرى من عدد "القدس" الصادر في يوم الجمعة التاسع والعشرين من آب خبر حول تسوية إسرائيلية مقترحة جاءت خرائطها وتفصيلاتها على الصفحة السابعة من العدد المشار إليه.. خريطة التسوية المقترحة هذه تتضمن : 26% من مساحة الضفة منطقة أمنية إسرائيلية، 8% أراض فلسطينية معزولة خلف الجدار، مناطق للضم تبين من الخرائط المنشورة على الصفحة السابعة أن مساحتها 9% من مساحة الضفة الغربية.
بعد إجراء عمليات حسابية سريعة تبين أن مساحة المنطقة الأمنية التي تحدث عنها الخبر تبلغ 1528.54 من الكيلومترات المربعة (26% × 5879) وأن مساحة الأراضي المعزولة خلف الجدار تبلغ 470.32 كيلو مترًا مربعًا (8% × 5879) وأن مساحة المناطق التي سيضمونها إلى كيانهم تبلغ 529.11 كيلومترًا مربعًا (9% × 5879) وبهذا يكون مجموع ما تحدثت عن هذه الخريطة (2527.97) كيلومترًا مربعًا من مساحة الضفة الغربية البالغة (5879) كيلومترًا مربعًا أي ما نسبته (43%).
خريطة التسوية الإسرائيلية المقترحة في شهر آب من هذا العام إذن تتحدث عن شطب ثلاثة وأربعين بالمئة من مساحة الضفة الغربية، وحتى لا يفهم القارئ تلقائيًّا أن المتبقي من العملية الحسابية (وهو سبعة وخمسون بالمئة) هو ما ستقام عليه الدولة الفلسطينية التي يتحدثون عنها؛ فإنني أرى من الضروري بل من الواجب أن أثير هنا عددًا من المسائل التي لابد من إثارتها كي تظهر الأمور على حقيقتها، وكي نصل إلى معالم الصورة الحقيقية التي يرسمها صانعو الخرائط والتسويات لهذا الجزء من فلسطين التاريخية الذي نسميه "الضفة الغربية" ويسمونه هم "يهودا والسامرة" ويسميه بعض إخواننا "فلسطين" بعد أن يضيفوا إليه قطاع غزة البالغة مساحته (378) كيلومترًا مربعًا فقط لا غير!! وبهذا تصبح مساحة "فلسطين" التي أفرزتها اتفاقات أوسلو (6257) من الكيلومترات المربعة.. أما قطاع غزة الذي يصارع من أجل البقاء والذي يحاصرونه بحرًا وبرًّا وجوًّا منذ سنوات، فينبغي أن نخرجه هنا من حديثنا الذي نناقش فيه خرائطهم وتسويتهم بشأن "الضفة الغربية".
وخريطة التسوية الإسرائيلية المقترحة في آب من هذا العام أبقت على الجدار، وأبقت على مساحات معزولة لا يمكن أن يستفيد منها إلا الإسرائيليون والمستوطنون منهم تحديدًا على الرغم من ادعاءاتهم بأن هذا الجدار إنما أقيم لأسباب أمنية، (فلما زالت هذه الأسباب) بقي هذا الجدار الذي مزق الضفة الغربية، وضم مساحات شاسعة منها إلى كيانهم، وأعطى مساحات أخرى منها للمستوطنين الذي يزيد تعدادهم اليوم في الضفة الغربية عن نصف مليون مستوطن.. كما أن هذه الخرائط أبقت على المعابر والبوابات والحواجز التي فعلت الأفاعيل بهذه الضفة الغربية، وقطّعت أوصالها جغرافيًّا، واقتصاديًّا، واجتماعيًّا، وسياسيًّا، وأحبطت المواطنين نفسيًّا، وحرمتهم من الحركة والتواصل فيما بينهم، كما أضعفت إلى حد التلاشي علاقتهم بالأقطار العربية من حولهم.
وخريطة التسوية الإسرائيلية المقترحة أبقت أيضًا على التصنيفات التي سمع بها الناس لأول مرة في تاريخ هذه الديار، حيث أطلقوا في أوسلو الحرف (أ) على المدن البالغة مساحتها ثمانيًة بالمئة من مساحة الضفة الغربية أي (470.32) من الكيلومترات المربعة، كما أطلقوا الحرف (ب) على القرى التي أخضعوها للسيطرة الأمنية الإسرائيلية والبالغة مساحتها ثلاثة وعشرين بالمئة من مساحة الضفة أي (1352.17) من الكيلومترات المربعة، كما أطلقوا الحرف (ج) على المناطق ذات الكثافة السكانية المتدنية التي أخضعوها للسيطرة الإسرائيلية الكاملة!! والبالغة مساحتها تسعة وستين بالمئة من مساحة هذه الضفة أي (4056.51) من الكيلومترات المربعة.. لم تلغِ هذه الخريطة الجديدة هذه التصنيفات الثلاثة (أ و ب و ج) التي تملّكَ الإسرائيليون بموجبها رسميًّا تسعةً وستين بالمئة من أرض الضفة، وسيطروا أمنيًّا
-بشكل رسمي- على ثلاثة وعشرين بالمئة.. أما المدن التي قالوا إنها حصة السلطة الفلسطينية من تلك الاتفاقات فإنهم يقتحمونها، ويجتاحونها، ويفعلون بها ما يريدون من تدمير واعتقال وقتل وسلب ونهب دون أدنى رادع أو وازع.. وهذا معناه باختصار شديد أن الجانب الفلسطيني لا يملك شيئًا من أرض الضفة الغربية، أو أن هذا الجانب ليس له أدنى سلطة على أراضي السلطة وأن هذا الجانب لا يحظى بأكثر من وضع إداري ومالي ضمن الدولة العبرية القائمة بالفعل على كل فلسطين التاريخية، أو الانتدابية كما يحلو لبعضهم أن يسميها.
وإذا كان هذا التحليل خاطئًا، أو مفرطاً في التشاؤم، أو مسرفًا في السوداويّة وسوء الظن، والنظر إلى الأمور بمنظار أسود، فليس أقل من إعلان أو تصريح واضح صريح تُلغى فيه بكل وضوح تلك التصنيفات لتحل محلها خريطة التسوية الإسرائيلية الجديدة المقترحة التي نناقشها هنا، والتي نشرت "القدس" موجزها في الأذن اليسرى من عدد الجمعة الصادر في التاسع والعشرين من آب، ونشرت تفصيلاتها على الصفحة السابعة من عددها ذاك.
وإذا كان هذا التحليل صحيحًا فليوضح لنا كل من يعنيهم الأمر، وليبيّن لنا كل من يتحدثون عن الدولة الفلسطينية أين سيقيمون هذه الدولة، ولمن سيقيمونها في حقيقة الأمر، وما النتائج التي ستسفر عنها خريطة التسوية الإسرائيلية هذه بكل معطياتها وتفصيلاتها التي تحدثنا عنها، وبكل ما سبقها من تصنيفات وإجراءات على الأرض تثبت بما لا يدع أدنى مجال لأدنى شك أننا لا نملك شيئًا من أرض فلسطين بموجب هذه الاتفاقات، وبموجب هذه الخرائط، وبموجب هذه التسويات التي يتحدثون عنها.
صنع السلام ليس لعبة، وليس مناورة، وليس استغفالاً وتلاعبًا وخداعًا يمارسه الأقوياء المزودون بطواقم من القانونيين المحترفين لتمرير خططهم ومخطاطاتهم وتسوياتهم على الفقراء المغلوبين على أمرهم من عباد الله!! صنع السلام لا يتحقق بهذه المصائد والكمائن القانونية والتفسيرات الكثيرة لعبارات مطاطة تحتمل كثيرًا من المعاني والتفسيرات ، ولا يمكن أن يتحقق بهذه الحركات الإعلامية، وضجيج الدعاية والتلاعب بالمشاعر، ولا يمكن أن يكون بفرض الأمر الواقع، وفرض الحقائق على الأرض، وتنفيذ سياسة المراحل التي تؤدي سابقتها إلى لاحقتها وفق خطة مرسومة لشطب صاحب الحق، وتجريده من حقوقه، والقذف به في متاهات الحياة وفيافيها دون ذنب اقترفته يداه، ودون سبب إلا أن يكون صاحب الحق، والشاهد على ما يفعله هؤلاء وأولئك بحقه منذ عقود وعقود!!!
إذا كان هؤلاء الذين يجهدون أنفسهم برسم الخرائط وصياغة التسويات والمقترحات راغبين فعلاً في إقامة سلام حقيقي أخلاقي دائم ومقنع ومشرف لا غالب فيه ولا مغلوب فليغيّروا من أسلوب تعاملهم مع الآخرين، وليعلموا أن أسلوبهم بل أساليبهم هذه مكشوفة لكل أطفال هذا الوطن، وأن أسلوبهم بل أساليبهم لا يمكن أن تؤدي إلى سلام أو أمن أو أمان لأحد، بل على خلاف ذلك إن هذه الأساليب من شأنها أن تعمّق الكراهية، وأن تؤسس لمزيد من الصراع الدامي في هذه الديار.. إذا كان هؤلاء معنيين بالسلام والأمن والأمان فإنهم يعرفون يقينًا حدود الرابع من حزيران، وإنهم يعرفون يقينًا نص القرار 194، وهم يقينًا يعرفون نص القرار 181، وهم يعرفون يقينًا أن أكثر من عشرة ملايين فلسطيني، وأكثر من مليار ونصف من العرب والمسلمين، وأكثر من مليار إنسان حر في شرق الدنيا وغربها بينهم كثير من اليهود لا يمكن أن يسمحوا بتمرير هذه الخطط والمخططات والمصوّرات والألاعيب التي تستهدف اقتلاع هذا الشعب من جذوره .. المجتمع الدولي -وإن طال الزمن- سيقف إلى جانب الحق والعدل، وسيضع الحلول العملية المناسبة، وسيساهم في صنع السلام الحقيقي العادل الذي يعود معه الحق إلى نصابه، والسيف إلى قرابه، والأسد إلى عرين غابه، وإنني لعلى ثقة أن إحلال السلام في هذه الديار ليس بالمشكلة المستعصية، أو العقبة الكأداء بل هو أمر ممكن سهل المنال، قد يتم التوصل إليه خلال أيام إذا خلصت النوايا، واستفاقت الضمائر، وتخلى هؤلاء وأولئك عن الغطرسة والغرور والاستعلاء والاستكبار.
5/9/2008
Want to do more with Windows Live? Learn "10 hidden secrets" from Jamie. Learn Now
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق