متابعات
أ.عدنان السمان
www.samman.co.nr
لسنا بحاجة في يوم الطفل العالمي الذي يصادف العشرين من تشرين الثاني من كل عام لمن يذكّرنا بأن الأطفال دون سن الثامنة عشرة في كثير من أقطار هذا العالم يشكّلون أكثر من نصف السكان, وأنهم -مع أمهاتهم- يشكّلون أغلبية مريحة من حقها أن تستأثر بنصيب الأسد من ثروات تلك الأقطار،ومن اهتمام الكبار,والمثقفين,والمفكرين,وأولياء الأمور فيها..ولسنا بحاجة لمن يذكّرنا بأهمية الأطفال في قانون تعاقب الأجيال،وتغيّر الأوضاع والأحوال..ولمن يذكّرنا بأهمية الأطفال في الثورة على ثقافة النوم،والخمول،والكسل،في بلاد السمن والعسل,وإحياء ثقافة اليقظة والنشاط والتفاؤل والأمل وحب العمل في كل ديار العروبة من محيطها إلى خليجها..وبأهمية الأطفال في التقريب ما بين المسافات,واختصار الزمن بين الثقافات والحضارات..وبدورهم في بيان فضائل التحدي,ومنازل الإصرار والتصدي،ولسنا بحاجة لمن يذكرنا أيضًا بأن من حق الأطفال أن يعيشوا بحرية وكرامة ورعاية في كل أقطار هذا العالم.
لسنا بحاجة لمن يذكرنا بهذا,لأننا نعرفه حق المعرفة,ولأننا نعرف يقينًا أن هؤلاء الأطفال هم الأمة كلها اليوم وغدًا وبعد غد,وأنهم روحها,وجسدها ومعناها,ومبناها,وحقيقة وجودها وقيمتها الفعلية هنا على أرض وطنها,وهنالك بين الأمم والشعوب في هذا العالم..فأي معنًى للأمة بدون أطفالها؟وأي معنًى لها إذا كان أطفالها مقموعين مضطهدين خائفين أميين مجردين من كافة حقوقهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية؟وأي معنًى لها ولهم إذا كانوا مسلوبي الإرادة,مهزوزي الشخصية,فاقدي الثقة بالنفس,يشبّون على المهانة والكذب والنفاق والخداع,ويشيبون على التبعية والمذلة والفساد والتزوير والتفريط بالأوطان والأديان والإنسان؟وأي معنًى لأمة يربي كبارُها صغارَها على التنكَّر للفضائل,والقيم,والمبادئ السامية,والأخلاق الحميدة,وعلى عبادة الذات,والكفر بكل ما فيه خير البلاد والعباد,وبكل ما فيه مصلحة هذه الأجيال في حياة حرة عزيزة كريمة في وطن حر عزيز سيد مستقل لا يهادن فسادًا وانحرافًا واستغلالا ًواستغفالاً,ولا يسالم طاغية معتديًا مستهترًا مستخفًًّا بالناس مستعليًا عليهم مستكبرًا في الأرض,مغتصبًا لحق الناس في الحياة الحرة,ولحقهم في البناء والإعمار والسيادة على أرضهم,ولحقهم في العيش الآمن الكريم في أوطانهم؟
إن خير ما يمكن أن تفعله الأمة هو أن تحسن تربية أطفالها,وأن تحسن تعليمهم,وأن تحيي في نفوسهم ثقافة العمل والأمل والعزة والكرامة والتضحية والمثابرة والإخلاص..وإن خير ما يمكن أن يقدمه الكبار للصغار مدارس يعيشون فيها أجمل أيام حياتهم,ويحبونها الحب كله..مدارس تلبي احتياجاتهم,وتنمّي شخصياتهم,وتغرس فيهم الولاء والوفاء لثقافتهم,ولغتهم,وأمتهم,وتاريخهم,ومبادئهم,ومعتقداتهم..مدارس تعلمهم الصدق,والأمانة,والإخلاص,والاستقامة,وحب الوطن,والتضحية من أجله,والإخلاص للأمة,والعمل من أجل وحدتها,ونصرتها,وعزتها,والوفاء لقيمها,وتقاليدها,وأعرافها,ومقدساتها..وإن خير ما يمكن أن يقدمه الكبار للصغار مناهج تلبي احتياجات هؤلاء الصغار,وتكفل حقهم في بناء أجسادهم وأرواحهم, وصنع المستقبل اللائق بهم وبالأمة التي ينتمون إليها..مناهج يستوعبها الطلبة,ويفهمونها,وتشهد على ذلك نتائجهم,وشهادات لجان المتابعة المكلفة بالإشراف على المدارس والمناهج من غير العاملين فيها,ومن غير المستفيدين منها..لجان متابعة من المختصين المستقلين المحايدين أصحاب التجربة والخبرة والمهارة..وإن خير ما يمكن أن يقدمه الكبار للصغار رعاية صحية تجنّبهم العلل والأمراض,وتكفل لهم نموًّا جسديًّا ونفسيًّا سليمًا,ورعاية اجتماعية,وتوجيهًا للأمهات,وعناية بهنّ,وبأطفالهنّ,ورعاية اقتصادية,وثقافية,وفكرية,ولُغوية تبني ولا تهدم,تجمع ولا تفرّق,تكتشف المواهب,وتصقلها,وتهذبها,وتكتشف المبدعين والموهوبين وترعاهم!!
ما أحوجنا إلى كل هذا,وإلى كثير غيره! ما أحوجنا إلى جيل يحترم نفسه,وينشأ على الكرامة والخلق والعزة,ويغتذي لبان العروبة,ويؤمن بوحدة الأرض العربية,وبالدولة العربية,فوق كل أرض العرب,ويؤمن بالعلم والعمل وسيلة لبناء أمة عربية واحدة موحدة متكاملة في سائر أقطارها وأمصارها..ما أحوجنا لجيوش من الأطباء,وجيوش من المهند
ين،وجيوش من الصيادلة،والتقنيين،والمثقفين ،والمفكرين،والكتّاب،والمؤلفين،والأكاديميين،والمخترعين..وما أحوجنا قبل هذا كله،أو بعد كل هذا كله للسياسيين المؤمنين بحق أمتهم في الحياة الحرة الكريمة،وبحقها في السيادة والعزة والاستقلال،وبحقها في العيش الآمن الكريم.
وإذا كنا نحتفل في هذا اليوم العشرين من تشرين الثاني بيوم الطفل العالمي,فإنه يحسن بنا أن نشير إلى أن الأمم المتحدة قد ضمنت في إعلانها العالمي لحقوق الإنسان كثيرًا من حقوق الطفولة في المساعدة والمساندة والرعاية,بل إن المبادئ المعلنة في ميثاق الأمم المتحدة قد ضمنت الاعتراف بكرامة أعضاء الأسرة,وبحقوقهم المتساوية,وغير القابلة للتصرف,واعتبرت ذلك أساسًا للحرية والعدالة والسلم في العالم كله.كما يحسن بنا أن نشير إلى أن الحاجة لتوفير الرعاية الصحية الخاصة للطفل قد ذكرت في إعلان جنيف لحقوق الطفل عام 1934,وفي إعلان حقوق الطفل الذي اعتمدته الجمعية العامة في الثلاثين من تشرين الثاني من العام 1959 والمعترف به في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
في اليوم العالمي للطفل لابد من القول إن الاهتمام بالأطفال هو اهتمام بالوطن والمواطن ومستقبل الأجيال على أرض أوطانهم..وإن إهمال الأطفال, هو إهمال للوطن والمواطن؛فمن أراد خيرًا بهذا الوطن,فليبدأ بأطفاله,فهم عدته,وعتاده,وهم بُناته وحُماته،ونطالب بحياة كريمة للطفل العربي,وبحياة كريمة للأسرة العربية,وبالكف عن كل مظاهر الاستهتار والاستخفاف بالمواطن..كما نطالب بسيادة القانون,وبقضاء حر نزيه مستقل.
وفي اليوم العالمي للطفل والطفولة لا بد من القول إن من حق الطفل العربي الفلسطيني أن يحيا حياة حرة سليمة على أرض وطنه فلسطين،ولا بد أن يعيش حياةً آمنة مطمئنة بعيدًا عن كل أسباب الرعب والخوف والجوع والأميّة والتوتر والتشرد،وبعيدًا عن كل أشكال التبعية والضَّياع والفساد والانحراف؛لأن هذا من أبسط حقوقه،ولأن هذا هو ما يجب أن يقف على رأس اهتمام أبيه وأمه وأولياء الأمور كل في موقعه،وعلى رأس اهتمام كافة شرائح المجتمع ومؤسساته دون أدنى استثناء.
20/11/2010
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق