(الاسـتثناء) www.Samman.co.nr
-5-
ناصب المستثنى بإلاّ:
اختلف النحاة في ناصب المستثنى بإلاّ:
1- ذهب البصريون إلى أن ناصبه هو الفعل أو ما في معناه بوساطة إلاّ. 2- ذهب بعض الكوفيين وتابعهم المبرد والزجاج إلى أن إلاّ هي الناصبة، وإلى أنها حرف بسيط غير مركب. 3- ذهب فريق آخر من الكوفيين إلى أن إلاّ هي الناصبة لأنها حرف مركب من إنّ المؤكدة ولا النافية، وقد خففت إنّ وأدغمت في لا ولذا نصب بها في الإيجاب اعتبارًا لأنّ، وعطفوا بها في النفي اعتبارًا لِ "لا"، وهذا الرأي هو المشهور عند الكوفيين، وإليه ذهب الفراء. 4- ذهب بعض العلماء إلى القول بأن المستثنى منصوب على التشبيه بالمفعول به، وإليك أدلة كلٍّ: أولاً: يرى الكوفيون أن إلاّ تعمل عمل الفعل "أستثني" (جاء الطلاب إلا سعدًا) أي أستثني سعدًا فهو مفعول به منصوب، ولما حلت إلاَّ محل أستثني كان من الطبيعي أن تعمل عملها. والفراء –ومن معه- يرى أن إلاّ مركبة من إنّ المؤكدة الناصبة ولا النافية وهي بهذا تشبه حتى في كونها عاطفة جارة فكما اعتبرت مشابهة حتى لحرفي الجر والعطف اعتبر تركيب "إلاّ" من حرفي التوكيد والنفي. رد الكوفيين على البصريين: 1- قد يكون الفعل السابق لإلاّ لازمًا وهو في هذه الحالة لا ينصب مفعولاً به، فالقول بأن المستثنى منصوب بالفعل أو شبه الفعل مع إلاّ مردود (نجح الطلاب إلاّ عليًّا). 2- قد لا يرد فعلٌ في الجملة (الطلابُ إخوانك إلا سالمًا) فما العامل في نصب المستثنى؟ لا شك أنه الأداة إلاّ. رد البصريين على الكوفيين: 1- إنّ –إلاّ- تدخل على الاسم والفعل المضارع، والحرف متى صلح دخوله على الاسم والفعل لم يعد مختصٍّا، وإذا فقد الاختصاص لم يعد عاملاً، ولكن عدم صلاحيتها للعمل في الاسم الواقع بعدها لا تفقدها صلاحية تعدية الفعل أو ما في معناه إلى المفعول، وهذا هو الذي نقول به، ويؤيد ذلك أن الهمزة والتضعيف وواو المعية لا تصلح لعمل النصب، ولكن الفعل بوساطة كل منها يتعدى للعمل إلى المفعول، فعدم صلاحية اللفظ للعمل غير مانعة في قيامه بأداء مهمة تعدية الفعل، أو ما في معناه للعمل. 2- أما قول الكوفيين إن إلاّ نُصبت لوقوعها موقع المضارع –أستثني- وأدائها لمعناه فإنه مردود بما يلي: أ- هذا القول مردود لأنه يترتب عليه إعمال معاني الحروف، وهو أمر غير جائز، لأننا إذا أعملنا معاني الحروف إعمال الأفعال فقد رُجع بذلك إلى الفعل، وبطل المعنى الذي من أجله وضعت الحروف وهو الإيجاز. تقول: (ما عليٌّ كسولاً) وهذا قول صحيح فصيح، لكن إذا قلت (ما عليًّا كسولاً) على معنى (نفيت عليًّا كسولاً) لم يجز ذلك لأنك أعملت معنى الحرف. ب- لو كانت إلا ناصبة لأنها بمعنى أستثني لوجب أن يكون الاسم الواقع بعدها دائمًا منصوبًا، وهذا تخالفه طبيعة عمل إلا حيث يأتي ما بعدها منصوبًا ومرفوعًا ومجرورًا. جـ- نقول (جاء الطلابُ غيرَ إبراهيم) فبماذا نُصب غير؟ إما أن يكون منصوبًا بنفسه، وإما أن يكون منصوبًا بإلاّ مقدرة، وإما أن يكون منصوبًا بالفعل قبله إذ لا منصوب بدون ناصب، ولا يصح أن يقال إنه منصوب بنفسه لأن الشيء لا يعمل في نفسه، ولا يجوز أن يكون منصوبًا بإلاَّ مقدرة لأن تقديرها يفسد المعنى، فلم يبقَ إلا القول بأنه منصوب بالفعل، وهو ما نقول به مع لزوم الفعل. د- اعتبار الكوفيين لإلاّ على أنها بمعنى "أستثني" قول مردود، لأنها تأتي بمعنى "لم يفعل" وفي هذه الحالة وجب رفع ما بعدها، ولما كان ما بعد إلاّ يُنصب فإن حجة الكوفيين في أنها هي الناصبة حجة مردودة. هـ- وقال البصريون إن رأي الكوفيين يقتضي أن يكون الكلام جملتين، وهو على رأينا يكون جملة واحدة، وهذا الاعتبار أولى وأحق بالاختيار. (من أقوال البصريين أيضًا إشارتهم إلى كون الفعل لازمًا، وكيف أنه اكتسب التعدية من إلاّ، كما يتعدى للمفعول معه بواو المعية، وقد يكون الفعل ملحوظًا تدل عليه إلاّ وتقدّره "القوم أصدقاؤك إلاّ زيدًا" أي القوم يصادقونك... أشار البصريون إلى قول بعض الكوفيّين أن إلاّ مركبة من إنّ ولا، وقالوا إنه كلام لا يقوم عليه أي دليل. أما تشبيههم إلاّ بلولا فهو حجة عليهم، حيث فقدت مكونات لولا خصائصها، وأصبح لها معنى يختلف عن معنى لو ولا. وأما احتجاجهم بحتى فهو باطل، لأن حتى تكون حرف عطف، أو حرف جر بحسب موقعها في الكلام، أما إلاّ التي هي حسب زعمهم مكونة من إنّ ولا وأنها تعمل في وقت واحد عمل الحرفين فهو قول ظاهر الفساد. وما هو موقف الكوفيين من قولنا "ما قام إلا له" إذ أن الجملة خالية مما يُعطف عليه حتى تكون إلا بمعنى الواو العاطفة، وليس في الجملة منصوب حتى تكون إلاّ عاملة في قول البصريين أقوم. هل يجوز وقوع أداة الاستثناء في أول الكلام؟ الكوفيون أجازوه، والبصريون منعوه. يقول الكوفيون لا مانع من أن نقول (إلا طعامَك ما أكلت، وإلا صديقَك ما زرت) مستدلين على ذلك بقول الشاعر: خلا أن العتاق من المطايا // حَسِين به وهنّ إليه شوسُ (وقوع خلا في أول الكلام على رأي الكوفيين، وقد ردّ البصريون عليهم بأن الأداة هنا ليست صدرًا في الكلام، وإنما هي مسبوقة بما يجعلها وسطًا. وقول الآخر: وبلدةٍ ليس بها طوريُّ // ولا خلا الجن بها إنسيُّ (وقوع خلا في صدر الكلام على مذهب الكوفيين، أما البصريون فيرفضون هذا، ويقولون إن الأصل: وبلدةٍ ليس إنسي ولا خلا الجن فحذف إنسي وهو المستثنى منه، وقد فسره إنسي المذكور بعده، أو أن الأصل ليس بها طوري ولا إنسي خلا الجن، فقدم الاستثناء والمستثنى للضرورة). اعترض البصريون على ذلك، وشرحوا موقفهم من المثالين المذكورين، وقالوا إن طعام وصديق مفعولان به، أما في الشاهد الأول فخلا متوسطة، وأما في الشاهد الثاني فالتقدير كما سبق وقلنا "ليس بها طوري ولا إنسي خلا الجن".
5/8/2010
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق