رمضانيات / عدنان السمان
www.Samman.co.nr
شهر المغالبة والغَلَبة
جميلٌ أن تكون في حياة الأمة أيامٌ ليست كغيرها من الأيام، وجميلً أن ترى الأمة نفسَها في مثل هذا اليوم من كل عام وهي تدخل رحاب هذا الشهر العظيم الذي يفخر بمقدرته على صنع الإنسان القوي القادر على كبح جماح النفس عن أهوائها، وعن ضلالها، وردعها عن غيّها وضعفها وانحرافها، ومغالبتها حتى تستقيم كما أُمِرَتْ، فتحظى النفس عند ذلك بالقوة التي تكفُل لها الغلبة على نفسها، وتضمن لها الغلبة في سائر الميادين، وعلى كافة الجبهات والمستويات.
وإذا كانت مغالبة النفس ومجالدتها ومجاهدتها سببًا من أسباب السموّ بها، وتنقيتها من الشوائب، وتطهيرها من الآثام، وتخليصها من الذنوب والأدران؛ فإن كل هذا لا يتأتى إلا من خلال نفحات إيمانية تفجّرها مشاعرُ ساميةٌ نبيلةٌ صادقةٌ تضيء النفس المؤمنة بنور الإيمان واليقين على امتداد أيام شهر رمضان، وعلى امتداد كل ساعاته ودقائقه، ومع كل ثانية وثالثة ورابعة من مكونات هذا الزمن الذي يشكّل حياتنا على امتداد شهر المجالدة والجَلَد هذا، وعلى امتداد غيره من الشهور والأيام على مدار العام، وبه تستمر هذه الحياة على هذا الكوكب إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
ولئن كانت هذه المغالبة وتلك المجالدة والمجاهدة، ولئن كانت هذه النفحات وتلك المشاعر والإضاءات أمورًا لا بد منها، ولا غنًى عنها لهذه الأمة في كل أيامها ولياليها على مر الشهور، وتعاقب الدهور كي يستقيم أمرها، وكي تصلح حالها، وصولاً إلى الغلبة، وتحقيقًا للراحة الكبرى، والسعادة والمجد والرضى، في هذه الفانية، وفي تلك الباقية؛ فإن كل هذه الصفات والممارسات والمواصفات، وإن كل تلك التجليات والأسرار الكبرى تكون أوضح ما تكون، وأشد ما تكون وأقوى ما تكون في رمضان.. شهر المغالبة والغلبة، شهر القوة والعزيمة، شهر الفتوحات والانتصارات، شهر هذه الأمة العظيمة الرائدة الفاعلة في التاريخ: أمة هذا الدين، وأمة هذا القرآن العربي المبين الذي أنزل على الرسول العربي الأميّ الأمين في رمضان...
هذه الأمة تدرك أنها بُعثت في رمضان، وأصبحت خير أمة في رمضان، وأحرزت الانتصارات المؤزرة في رمضان، وحققت أكبر الإنجازات وأعظمها في رمضان، بعد أن تخلقت بأخلاق الإسلام، وتأدبت بآدابه، وجاهدت في الله حق جهاده؛ فصنعت للدنيا حضارة عظيمة متوازنة عاشت في ظلالها الأمم والشعوب من كل لون وجنس ولسان ودين حياة لم يعرف الناس لها مثيلاً من قبل، وحكمت بين الناس جميعًا في هذا العالم بالعدل، لا فرق في ذلك بين عربي وعجمي، وأبيض وأسود، وغني وفقير، وطويل وقصير.. فالناس جميعًا أمام القانون سواء، والناس سواسية كأسنان المِشط، والناس جميعًا عيال الله، وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله!! ...
وهذه الأمة تعلم علم اليقين أن من واجبها إطعامَ فقرائها، وإغاثة منكوبيها، وقضاءَ حوائج أهل الحاجات من أبنائها، ومن غير أبنائها ممن تربطهم بها صِلات المواطنة، وعَلاقات حُسن الجوار، وممن يقيمون علاقات طبيعة معها؛ فهؤلاء جميعًا ينبغي أن تبرهم هذه الأمة، وأن تحسن إليهم، وأن تقيل عثراتهم، وتقضي لهم حوائجهم وحاجاتهم، وتلبي طلباتهم ومطالبهم، وهذه الأمة تعلم أن دولة الإسلام مسئولة عن إشاعة العدل في هذا العالم، ومسئولة عن إغاثة المستغيث، ونُصرة المظلوم، وحماية من يطلب حمايتها، ويلجأ إليها طالبًا العَون والرعاية ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً.
في شهر رمضان، شهر الصيام والقيام، شهر التكافل والتراحم والتعاطف والإحسان، والبر بفقراء الأمة ومحتاجيها، وبأسر شهدائها ومعتقليها ومجاهديها، لا بد من وقفة صادقة مع النفس نذكر فيها أننا مكلَّفون بالذود عن حياض هذه الأمة، ونشر ثقافة العمل والأمل والعدل والعدالة والتسامح والمحبة والمساواة في كل أرجاء هذا الكون.. وكل عام وأنتم بخير.
7/8/2010
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق