أ.عدنان السمان
جاء في "القدس" أن قائد قوات الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية قد أصدر أمرًا بمصادرة 1128 دونمًا وثمانمئة متر من أراضي أبو ديس، وعرب السواحرة، والنبي موسى، والخان الأحمر.. وأن هذه الأراضي قد صودرت بدعوى الأغراض العسكرية لإقامة ما يسمى" نسيج حياة" في منطقة مستوطنة "معاليه أدوميم" كما جاء في القرار المشار إليه.
ولعل ما يلفت النظر أن هذا الخبر المنشور على صدر صفحة "القدس" الأولى في عدد الجمعة الخامس من تشرين الأول الجاري قد جاء تحت خبر حول الزيارة المرتقبة لوزيرة الخارجية الأمريكية للمنطقة في الفترة الواقعة من 14 – 18 من تشرين الأول الجاري.. أي ابتداءً من ثاني أيام عيد الفطر، وبعد بضعة أيام من صدور الأمر العسكري الإسرائيلي بمصادرة هذه الوجبة الجديدة من الأرض الفلسطينية لصالح مستوطنة "أدوميم" التي تفوق مساحتها مساحة "تل أبيب" وذلك بهدف تجريد الفلسطينيين من أجزاء جديدة من أراضيهم جريًا على مألوف عادتهم منذ البدايات الأولى من القرن الماضي.. وضم تلك الأراضي المصادرة إلى أكبر مشروع استيطاني في منطقة القدس لعزل المدينة المقدسة عن محيطها العربي، والإمعان في خنقها وحصارها، ومن ثم فصل جنوب الضفة عن شمالها إمعانًا في تمزيقها وتقسيمها إلى كانتونات مغلقة، ومياه راكدة أشبه ما تكون بالمستنقعات الآسنة.. تمهيدًا لتفريغها من سكانها الشرعيين، لإحلال مزيد من المستوردين والمجلوبين فيها.. تطبيقًا لمنهج الإقصاء والإحلال الذي يمارسونه في هذه الديار منذ أمد بعيد.. وتنفيذًا لبرنامج الاقتلاع والتهجير الذي بدأوا بتنفيذه عندما استقر رأيهم على اتخاذ فلسطين وطنًا قوميًّا لهم.. وصولاً إلى السيطرة المطلقة على كل "أرض إسرائيل" خاليةً من الأغيار الذين لا بد من تهجيرهم، وبالتالي استيعابهم في أماكن أخرى من هذا العالم.
وإذا كان هذا ما يخطط له هؤلاء.. وينفّذون ولو جزءًا بسيطًا منه في كل يوم فأي معنى لهذا المؤتمر الذي تُجهد وزيرة الخارجية الأمريكية نفسها في الإعداد له، والدعوة إليه؟ إن قراءة سريعة في هذه القضية الفلسطينية منذ نشأتها تؤكد – بما لا يدع مجالاً لأدنى شك – حرص هؤلاء على تنفيذ ما يبيّتون لهذه الديار، وعرب هذه الديار من خطط ومخططات تستهدف تجريدهم من أرضهم، واقتلاعهم من هذه الأرض، ثم تهجيرهم منها على مراحل.. وبمرور الوقت.. واعتمادًا على الزمن.. وما تأتي به الأيام من نتائج خطَّط لها المخططون؛ فأحسنوا التخطيط!!
إن نظرة سريعة إلى كل ما استجدّ على أرض فلسطين من تغيرات ومتغيرات على امتداد السنوات الستين الماضية، وما تعرض له الشعب العربي الفلسطيني منذ النكبة وحتى أيامنا هذه من هجرة وتهجير واضطهاد وتقتيل وملاحقة وإبعاد.. وإن نظرة عجلى إلى كل هذه التراجعات والانهيارات التي شهدتها القضية الفلسطينية منذ نشأتها لتؤكد على حجم المخاطر والمخططات التي عصفت بهذا الشعب العربي في بلاده فلسطين.. وتوضح للمراقب المحايد مدى إصرار هؤلاء المخططين على امتلاك كل شيء، وحرمان غيرهم من أبسط الحقوق الإنسانية والسياسية التي ضمنها لهم المجتمع الدولي، ونصت عليها شرائعه وقراراته الكثيرة المتلاحقة... إلا ما جاء في وسائل الإعلام لغايات الدعاية، والتمويه، وصرف الأنظار عن الحقائق المرة.. وتضليل الرأي العام العالمي.. وخداع الأصدقاء الأقوياء وتضليلهم أيضًا.
وإذا كان الأمر كذلك – وهو كذلك- فإنه يحسن بالسيدة وزيرة الخارجية الأمريكية أن تحاول إقناع هؤلاء بما قاله الرئيس بوش، ونشرته "القدس" أيضًا على صدر صفحتها الأولى في عدد الجمعة الخامس من تشرين الأول حيث قال: يجب جعل أمل الدولة حقيقيًّا بالنسبة للفلسطينيين... كما أنه يحسن بها اقناعهم أيضًا بضرورة الاعتراف بأن شعبًا آخر يعيش في هذه الديار منذ آلاف السنين هو الشعب العربي الفلسطيني، وأن هذا الشعب هو صاحب حق تاريخي، وحق دينيّ، وحق قوميّ، وحق سياسيّ، وحق إنسانيّ، وحق حضاريّ، وحق ثقافيّ، وحق نفسيّ أخلاقيّ وجوديّ في هذه الديار.. وأن هذا الشعب لن يتخلى عن أيِّ من حقوقه في بلاده فلسطين.. وأن القدس مثلاً هي جزء من عقيدة الإنسان العربي المسلم، والإنسان العربي المسيحي، والإنسان العربي العلمانيّ والوجودي.. والعربيّ اليميني واليساريّ أيضًا... وأن هذه المدينة المقدسة لن تكون لغير العرب، ولغير الفلسطينيين برضاهم، وعن طيب خاطر! وإن فُرض عليهم ذلك لهذا السبب أو ذاك فإنهم سيظلون يعملون من أجل استعادتها، ومن أجل تحريرها من سيطرة الآخرين...
وهذا يعني – باختصار شديد- استمرار حالة التوتر والاحتقان والاستعداد للحروب... وهذا يعني أيضًا أن السلام الذي هو في نهاية المطاف حلم الشعوب لن يتحقق إذا لم تُحل قّضايا الشعوب حلاًّ عادلاً مقنعًا... وهذا يعني أيضًا أن السلام لا يكون سلامًا إلاّ إذا أعاد الحقوق إلى أصحابها، وقضى على كل أسباب التوتر والحروب والاقتتال... وإلا فإنه مجرد استسلام المغلوب – مؤقَّتًا – للغالب، والضعيف للقوي... والاستسلام – كما يقول التاريخ – لا يدوم..
ومعنى ذلك أن هذا الصراع سيستمر ما دام العدل غائبًا.. وأن الحروب ستستمر ما دامت الحقوق ضائعةً، والشعب – صاحب الحق- مشرَّدًا... وما دام هؤلاء وأولئك يضطهدون أصحاب الحق.. ويحاولون جاهدين تجريدهم من حقوقهم بشتى الطرق، ومختلف الأساليب.
يحسن بالسيدة وزيرة الخارجية الأمريكية أيضًا أن تعلم أنّ الشعوب هي التي تصنع السلام إذا هي اقتنعت به، وإذا هو ضمن لها حقوقها، وحلَّ مشكلاتها... وأن هذه الشعوب لا يمكن أن ترضخ أو تستكين للإملاءات، ولا يمكن أن توافق على ضيم أو ظلم أو امتهان للكرامة... وأن الحكام – في كثير من الأحيان – لا يستطيعون خداع شعوبهم، أو إرغامها على ما لا تريد، ولا يستطيعون التحكم بهذه الشعوب إلى ما لانهاية... وهذا يعني أن الحكام الحقيقيين هم الذين يتناغمون مع شعوبهم، ويفهمون أيضًا أن الحلول التي يُراد لها أن تستمر وتدوم هي الحلول التي يرضى عنها الناس العاديون – لا المستفيدون- ويقرّها الشارع – لا من يُرهبون الشارع – ويؤمن بها الشعب صاحب المصلحة الحقيقية في الحلول المنصفة المعقولة التي تصنع سلامًا عادلاً لا غالب فيه ولا مغلوب.. ولا ظالم ولا مظلوم.. ولا مشرَّدًا بعد عقد راية الصلح والسلام، ولا هائمًا على وجهه تائها بعيدًا عن وطنه وبيته وأرضه مهجَّرٌ واحدٌ من هذه الملايين التي تعيش الهجرة والمنفى والشتات منذ ستين عامًا دون ذنْب، ودون أدنى سبب أو مسوِّغ لهذا العقاب المرّ، والقصاص الجائر الذي أُنزل بعرب فلسطين.. ودفعوا ثمنه الباهظ دموعًا ودماءً وتشرّدًا وضياعًا وتيهًا في الأرض جيلاً بعد جيل!!
ويحسن بالسيدة وزيرة الخارجية الأمريكية أن تعلم يقينًا أنه لا يصحّ إلا الصحيح.. ويحسن بها أن تخاطب الشعوب التي تقبع الغالبية العظمى من قياداتها، وممثليها الشرعيين المنتخبين في السجون والمعتقلات لا لشيء إلا لأنهم منتخبون!! ولا لشيء إلا لأنهم يعبّرون عن تطلّعات ناخبيهم بصدق وأمانة!! ولا لشيء إلا لأنهم يريدون عدلاً وأمنًا وأمانًا وسلامًا... فهل في هذا ما يعيب؟ وهل في هذا ما يستوجب العقاب؟ وهل تسمح قوانين المجتمع الدولي وشرائعه وأعرافه بالاعتقال السياسي؟؟ وهل كانت الدعوة إلى سلامٍ عادلِ دائم شريف مقنع متكافئ لا غالب فيه ولا مغلوب في يوم من الأيام جريمةً يعاقب عليها القانون؟
كما يحسن بالسيدة وزيرة الخارجية الأمريكية أن تتذكر أسرى الحرية والرأي من ممثلي هذا الشعب المنتخبين بنزاهة وشفافية وديمقراطية دونها سائر الديمقراطيات في هذا العالم.. اذكريهم أيتها السيدة وأنت تمرين في أثناء تحركاتك وتنقلاتك في هذه الديار بالقرب من أماكن احتجازهم واعتقالهم.. وافعلي شيئًا من أجلهم.. ومن أجل الديمقراطية والحرية والعدالة في هذه الديار... كما يحسن بالسيدة وزيرة الخارجية الأمريكية أن تقنع هؤلاء بضرورة الكفّ عن مصادرة الأرض.. وبضرورة التخلي عن الاستيطان والمستوطنات بدون أي استثناء.. وبضرورة تنفيذ القرار 194 بشأن قضية اللاجئين المهجَّرين العرب الفلسطينيين.. وبضرورة العودة بالقدس وسائر الأرض المحتلة إلى ما كانت عليه يوم الرابع من حزيران من عام سبعة وستين وتسعمئة وألف.. وبضرورة رفع أيديهم عن المياه في هذه الديار. مع تحياتي للسيدة وزيرة الخارجية الأمريكية.
(10/10/2007)
هناك تعليقان (٢):
قلت شغلة جوهرية ايها الكاتب وهي
العدل غااااااااااااائب
العدل غااااااااااااائب
بس الا يجي يوم ويصحي ظمائر هالرعاة
تقبل مروري
مهما طال اليل ,الا ياتي نهار
ومهما طال الظلم ,بالنهاية الحق ينتصر
يسلمو يداك التي خطت متل هذا الموضوع
إرسال تعليق