رمضانيات
في هذا اليوم الأول من رمضان!!
أ/ عدنان السمان
إذا كانت هذه الأمةُ أفرادًا وشعوبًا وقبائل ومجتمعاتٍ وتجمعاتٍ وحكامًا مطالبةً في كل حين ، وفي كل آن بالاستقامة والصلاح والتقوى والعمل الصالح، والتحلي بأخلاق الإسلام وآدابه، والعمل بتعاليمه ومفاهيمه وأحكامه، فإنها مطالبة بأضعاف ذلك في رمضان.. وإذا كان المسلم هو من سلم الناس من لسانه ويده على مدار العام، فإن من الحريّ به أن يكون كذلك في هذا الشهر، شهر العبادة والاستقامة، ومغالبة النفس، وكفها عن أهوائها، وكبتها وحرمانها طوال ساعات الصيام عن كل شهواتها، وعن كل مغريات الحياة وإغراءاتها .. وإذا كان المسلم للمسلم كالبنيان يشد بعضه بعضًا، فإن من الجدير به أن يكون كذلك في رمضان.. وإذا كان كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه، فإنه ينبغي أن يكون المسلمون كذلك في رمضان أيضًا ، بل ينبغي أن يتضاعف حرصهم على هذه القاعدة الذهبية التي يقف فيها كلٌّ عند حده لا يتجاوزه في شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدًى للناس ، وبيناتٍ من الهدى والفرقان!!.
وإذا كان الناس كافة في المجتمع الإسلامي على اختلاف ألوانهم وأجناسهم وأديانهم وألسنتهم وأعراقهم ومعتقداتهم متكافلين متضامنين متعاونين على البر والتقوى، عاملين جميعًا من أجل تقدم مجتمعاتهم الصغيرة ومجتمعهم الكبير، وإذا كانوا جميعًا متساوين في الحقوق والواجبات، لا يجوز لمواطن أن يعتدي على مواطن مهما كانت الأسباب والذرائع، وإذا كان الناس جميعًا سواسية كأسنان المِشط ، وإذا كانوا جميعًا أمام القانون سواء، لا فرق في ذلك بين رأس الدولة، وأصغر مواطن فيها من أصغر مجموعة عرقية، أو مذهبية، أو طائفة، أوديانة، وإذا كان تاريخ هذه الأمة شاهدًا على صحة هذا الذي نقوله، وإذا كان تاريخ هذه الأمة حافلاً بالحكايات والروايات والمأثورات والقصص والمحاكمات التي أنصف القضاء فيها صغار الناس من كبارهم، وأنصف القضاء فيها مواطنين عاديين من خلفاء وأمراء وقادة اعتدى عمالهم وأعوانهم ومقربوهم على هؤلاء المواطنين العاديين، وأعاد القضاء إليهم حقوقهم في أرض أو مال أوعقار، ورد القضاء لمن اعتدي عليه بقول جارح أو إساءة كلامية اعتباره المعنوي وكرامته، وكامل حقوقه في المواطنة الكاملة، حتى لو كان خصمه من كبار رجال الدولة، وحتى لو كان خصمه رأس هذه الدولة، إذا كان الأمر كذلك، وهو فعلاً كذلك، فما معنى هذا كله؟ وما مغزاه؟.
معنى هذا أن الإسلام قد نظم العلاقات بين الناس في المجتمع، ومعناه أن الإسلام قد وضع الضوابط والقوانين والأحكام لعلاقات اجتماعية سليمة بين المسلمين وغير المسلمين من مواطني الدولة، وبين العرب وغير العرب من سائر مواطنيها الذين كانوا ينتمون إلى أعراق ولغات وألوان لا تكاد تُحصى عددًا، ومعناه أن الإسلام قد شرع لكل هؤلاء حقوقًا لا ينبغي لأحد أن ينتقص منها شيئًا، ومعناه أنه لا يجوز بحال أن يعتدي كبير على صغير، أو غني على فقير، أو عربي على غير عربي، أو أكثرية على أقلية، أو طائفة على طائفة، أو طبقة على طبقة، ومعناه أيضًا أنه لا يجوز لطائفة أو رهط أو جماعة أو فئة أو مجموعة أو أكثرية أو تحالف أن يستقوي بعدو داخلي أو خارجي على طائفة أو رهط أو جماعة أو فئة أو مجموعة أو أقلية أو تحالفِ أقلياتٍ ترى نفسها على حق، وترى أنها صاحبة حق، وتقيم الأدلة على ذلك، وتدعو إلى الحوار للوصول إلى الحق والوفاق والاتفاق ، والرجوع إلى الصواب، ولكن دون جدوى، لأن أولئك المعتدين لا يريدون التراجع عن عدوانهم، ولأنهم لا يريدون الامتثال لصوت العقل والحكمة، بل يريدون الذهاب في الشوط إلى نهايته، لأن الكفر عناد، ولأن العناد كفر ، ولأنهم قد أخذتهم العزة بالإثم ، ولأن الأحقاد قد أعمت أبصارهم، وأعمت بصائرهم، فارتكبوا الموبقات ، واقترفوا الآثام والمحرمات والحماقات ، واجترحوا السيئات، وارتكبوا الفواحش، واعتدوا على المحصنات الغافلات العفيفات الشريفات، ونهبوا ، وسلبوا، وأحرقوا، وأغرقوا، وأرهبوا، وأرعبوا، وعذبوا، وجوعوا، ونكلوا، وقتّلوا، وهجّروا، ودمروا، وسفكوا الدماء، ومثلوا، وقطّعوا كل ما أمر الله به أن يوصل، وأفسدوا في الأرض، ونشروا فيها الخراب والخوف والاضطراب، فصب عليهم ربك سوط عذاب، إن ربك لبالمرصاد.. ولقد ألصقوا كل ذلك بغيرهم ممن يدافعون عن أنفسهم وأطفالهم وكرامتهم وحقهم في العيش الآمن الكريم، ويدافعون عن وجودهم ومكتسباتهم وحريتهم واستقلالهم ومستقبل الأجيال على أرضهم، ويدافعون عن إنجازاتهم ومعتقداتهم وخططهم ومخططاتهم في البناء والإعداد والاستعداد لتحقيق الأهداف السامية لهذه الأمة التي مزقتها الخلافات والخصومات والعداوات، وتكالبت على قضاياها المصيرية الأطماع، وكثُرت التحالفات، وأُعلنت الأهداف والغايات، ولم يعد سرًّا ما يطمعون فيه، ويطالبون به، ويعملون من أجله، ويسعَون جاهدين إليه!!.
وأما المغزى، بل المغازي التي تنطوي عليها كل هذه المقدمات، ونحن نقف بين يدي رب العزة في هذا اليوم الفاتح من هذا الشهر الفضيل، شهر التوبة والمغفرة والغفران والإحسان، أن نكف في الحال عن كل أعمال القتل، وأن نكف في الحال عن كل أعمال العدوان وسفك الدماء، وأن يلزم في الحال كل المعتدين حدودهم، وأن يثوبوا إلى رشدهم وصوابهم، وأن يتقوا الله ربهم في كل هؤلاء الأبرياء والبريئات من أبناء هذه الأمة وبناتها في هذا الشهر الذي آن فيه لكل هؤلاء المعتدين أن يكفوا عن عدوانهم، وأن يتقوا الله في شعوبهم وأوطانهم، وأن يلقوا ما بأيديهم من أسلحة ما كان لها أن توجه إلى هؤلاء الأبرياء من بني قومنا .. لقد آن لنا يا قوم أن ندرك أن هذا الذي نفعله هو أكبر جناية يرتكبها جاهل بحق نفسه، وأنه أكبر خدمة يمكن أن يؤديها إلى أعدى أعداء أمته، وأنه -يا عباد الله- أكبر جناية يرتكبها جان بحق أمته ومعتقداتها وأعرافها ، ولقد آن الأوان أن تضم أمتنا صوتها إلى كل الأصوات الشريفة المطالبة بحل كافة قضايانا الخلافية بالحوار المخلص الصادق البناء، وأن تتضافر الجهود بعد ذلك للعمل يدًا واحدةً، وقلبًا واحدًا، ونبضًا واحدًا لاستئناف مسيرة العمل والبناء والإعداد والاستعداد، لتحقيق أهداف هذه الأمة في بناء أوطانها، وعزة إنسانها، وتوطيد أركانها، وسلامة بنيانها..( وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسولُه والمؤمنون) صدق الله العظيم.. ولا حول ولا قوة إلا بالله ، وكل رمضان وأنتم بخير.
20/7/2012
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق