عزيزتي .. عزيزي


ما أجمل أن نلتقيَ على كلمة طيبةٍ في كلَّ يوم ! ما أجملَ أن نلتقيَ لِنحقَّ حقا ، ونزهقَ باطلا ونحيي ثقافة ، وننصفَ مظلومًا ، وننقدَ واقعًا أليمًا ، ونوقدَ شمعة تمزق من حولنا الظلام .
أعزائي .. يا أنصارَ الحق ، وطلابَ الحقيقة ، ومحبي الخير والجمال أفرادًا ، وجماعاتٍ ، ومجموعاتٍ ، ومؤسساتٍ ، نساءً ، ورجالا ، فتية ، وفتيات .. يا كلَّ المؤمنين بحق شعبنا العربي الفِلسطيني في العيش باحترام ، وأمن ، وأمان فوق ثرى وطنه الغالي فلسطين .. ويا كلّ عشاق هذه اللغة العربية من أبنائها وبناتها ، ومعلميها ومُتعلميها .. يا كلّ شعبنا.. يا كلّ العرب .. يا كلّ المؤمنين بحق الشعوب في الخلاص من التبعية ، والاستعباد ، والاستبداد ، وبحقها في التحرر، والبناء ، والإعمار ، والسيادة على ترابها الوطني ... هذا موقعكم .. ستجدون فيه ما يسركم من فكر ، ورأي ، ومقال سياسي ، واجتماعي ، واقتصادي ، وثقافي ، ونقدي ، وأدبي .. ستجدون فيه نثرًا وشعرًا ، وقصة ، وحكاية ، وستجدون فيه كتبًا ، ومتابعاتٍ ، ومقابلاتٍ ، ومواجهاتٍ ، ومراسلاتٍ ، ومساجلاتٍ ..ستجدون فيه كثيرًا مما كتبتُ على امتداد العقود الماضية ، وبخاصة في " القدس " المقدسية ، والبيادر السياسي ، وغيرهما من مطبوعات هذه الديار وصحفها .. وسأوافيكم من خلاله بكل ما سأكتب ... مكتفيـًا في هذه المرحلة بالكتابة إليكم ، حتى إذا ما فرغتُ من إحياء ما لديّ من قديم( مخطوطٍ ومطبوعٍ) ووضعتـُه بين أيديكم في موقعكم هذا ، وتفرغتُ بشكل كامل للكتابة في قضايا الساعة فتحتُ المجالَ أمامكم للمشاركة ، والمساهمةِ ، والنقاش والحوار ، والأخذ والرد على غرار ما تفعله كثير من المواقع الرائدة التي نكنّ لها كل الاحترام ، وندين لها بالولاء والعرفان ، ونتقدم منها بالتحية والتقديروالامتنان .
أرحب بكم في موقعكم هذا .. موقع الأسرى ، والعمال ، والفلاحين ، والطلبة ، والمثقفين ، والكتـّاب ، والأدباء ، والشعراء .. موقع المؤسسات ، وكافة أحرار هذا الوطن وحرائره ..مثمنـًا وقوفكم إلى جانبي .. آملا أن يكون لي شرف الإسهام في خدمة الوطن والمواطن في بلادنا العزيزة فِلـَسطين .. وفي كل ديار العروبة والإسلام.
عدنان السمان
15/6/2008


الاثنين، ١٨ نيسان ٢٠١١

أحداث العالم العربي هي اختبار لقوى الثورة العربية..

متابعات

أحداث العالم العربي هي اختبار لقوى الثورة العربية..

أ.عدنان السمان

www.samman.co.nr

    بعد عقود من سيطرة الغرب على كل أرض العرب، وعلى كثير من بلاد الإسلام، وفي أعقاب الثورة الصناعية التي شهدها الغرب، وبدأ انطلاقًا منها رحلة تفوّقه على الدولة العثمانية، وبعد تمكّنه من السيطرة بالقوة العسكرية على كثير من الأقطار العربية في إفريقيا، وفي آسيا، وبعد تمكّنه أيضًا من القضاء على هذه الدولة العثمانية مع نهاية الحرب العالمية الأولى، وإلغاء الخلافة بعد بضع سنوات من هزيمة تركيا في تلك الحرب، وبعد خضوع  الوطن العربي لألوان من الاحتلال الغربي، وألوان من الانتداب والوصاية الغربية بموجب تلك الاتفاقات والمعاهدات التي اعتمدها الغرب أساسًا لوضع يده على هذه البلاد العربية، وفي تقاسمها فيما بين كثير من دوله، وفي تمزيق الأرض العربية، وتفتيتها، ونهب خيراتها وثرواتها، ومصادرة قرار العرب، ومصادرة حقهم المقدس المطلق في التحرر والسيادة على كل أرض العرب، وبعد كل هذه الرحلة الشاقة المضنية التي خاض فيها أحرار العرب ثورات مسلحة ضد الاستعمار الغربي في المغرب العربي، وفي مصر والسودان، وفي ليبيا، والعراق، وبلاد الشام، وبلاد الأفغان، وفي كثير من ديار العروبة والإسلام على امتداد القرن الماضي، وعلى امتداد القرن التاسع عشر أيضًا في بعض أقطار العروبة.. بعد كل تلك الحوادث والأحداث التي ألمّت بالوطن العربي، وبعد كل ما شهده على امتداد القرنين الماضيين، وبعد أن تسرّبَ اليأس إلى كثير من النفوس في بلاد العرب أو كاد، وبعد كل عوامل القنوط  والإحباط التي عصفت بكثير من الناس في هذا الوطن العربي فأصابت منهم مقتلاً، وصرفتهم عن الخوض في كثير من قضاياهم المصيرية، وعن الخوض في كثير من مشكلاتهم اليومية التي واصلت تراكمها، وتابعت استهانتها بالناس، وتحديها لهم، واستخفافها بهم، وإذلالها المبرمَج الممنهَج لهذه الأمة في كل أقطارها، وبعد أن اعتقد كثير من المراقبين والمحللين، وكثير من المخططين في غرب الدنيا وشرقها، أن هذه الأمة قد ماتت، وأنها قد شبعت موتًا، إذا بالقدر يستجيب في تونس، وإذا بالقدر يستجيب في مصر، وإذا به يستجيب في كثير من أقطار العروبة، وإذا بنيران هذه الثورة تحرق اثنين من كبار الطغاة المنحرفين المستبدين، وإذا بنيرانها المقدسة تنتشر في كل أوطان العروبة، تحرق الطغاة، وتحرق الطغيان، وتكون بردًا وسلامًا على الثوار الأحرار من كبار وصغار، في مشهد يَدِقُّ عن الوصف، ويدعو إلى التمرد على الصمت والخوف، ويبعث على الزهو والفَخَار، ويبشّر بانتصار هؤلاء الثوار على عهود القهر والجور والمذلة والصَّغار.

     على أن هؤلاء الغزاة المستعمرين لم يكونوا يومًا ليكتفوا بأدواتهم التي اصطنعوها، وأسندوا إليها مهامّ الحكم، وأناطوا بها مقاليد الأمور في كثير من أقطار العروبة والإسلام، ولم يكونوا ليطمئنوا كثيرًا إلى هؤلاء الوكلاء في هذه العواصم التي استحدثوها، وفي هذه الدول، والدويلات، والممالك، والكيانات التي ابتدعوها، بل راحوا يحيطون هذه الأدوات، وأولئك الوكلاء بجيوش من التابعين، والمجنَّدين المرتبطين بالأسياد من وراء ظهور هذه الأدوات، وأولئك الوكلاء، لأسباب منها أن من عادة الغزاة أن لا يثقوا كثيرًا بتابع، وأنهم يخشَون أن يعتمدوا كثيرًا على الأدوات والوكلاء مهما أوتوا من مظاهر القوة، ومن علامات الذكاء والدهاء، وأنهم يفضّلون أن لا يربطوا مصيرهم في هذه البلاد بمصائر هؤلاء، ومن هنا كان حرض الغزاة على تجنيد أكبر قدْر من الناس للعمل على خدمتهم، والانضواء تحت رايتهم، والائتمار بإمرتهم لأسباب منها ما يتعلق بمراقبة الأدوات والوكلاء، ومنها ما يتعلق بمراقبة الناس، ورصد توجهات الشارع يومًا بيوم، ومنها ما يتعلق برصد كافة القوى والتيارات الفكرية والثقافية والسياسية في البلد، ومنها التنسيق المستمر من أجل الحفاظ على مصالح الأسياد، والحفاظ على أمنهم، والحفاظ على سير الأمور في البلد كما ينبغي.

    ومع ذلك، وعلى الرغم من كل أجهزة الأمن التي اصطنعها الوكلاء لحفظ أمنهم، والحفاظ على مصالحهم ومؤسساتهم وهياكلهم ودوائرهم وعناوينهم وأوكارهم على اختلاف أسمائها ومسمياتها، وعلى الرغم من كل أجهزة الأمن التي أقامها الغزاة المستعمرون من وراء ظهور وكلائهم في كثير من الأحيان، وبالتنسيق معهم في بعض الأحيان، وعلى الرغم من كل هذه المليارات من الدولارات وغير الدولارات التي تراق على الأرض العربية لشراء الولاءات، ووأد الخصومات والعداوات التي تظهر بين الحين والآخر في معسكرات الغزاة وصفوف الطغاة، وعلى الرغم من كل هذه المليارات التي تُرصَد لإذكاء نار الفتنة بين مؤيدي التيار العروبي المؤيد لنهج الممانعة، وسياسة المقاومة، ومؤيدي التيار الغربي المؤيد للمشاريع الأجنبية على كل الأرض العربية، والمؤيد لسياسة الاستسلام للغزاة، ولمشروعهم على كل أرض العرب، وعلى الرغم من كل هذه الأعباء التي تثقل كاهل المواطن العربي، وعلى الرغم من كل هذه الهزائم التي مُنيَ بها على امتداد عقود وعقود، وعلى الرغم من كل عوامل الخوف، والجوع، والقمع، والطبقيَّة، والفساد، والاستبداد، والإقطاع، والضَّياع التي عصفت بأمة العرب في شتّى أقطارها وأمصارها.. إلا أن هذا كله، وكثيرًا غيره لم يمنع شمس العرب أن تشرق من الغرب، ولم يمنع أحرار تونس من تفجير ثورة الياسمين، ولم يمنع شرفاء تونس وعربها الأباة، من كيل الصاع ألف صاع لذلك الطاغية، الذي غادر تونس راغِمًا غير مأسوف عليه، لتسترد تونس أنفاسها، ولتسترد تونس عافيتها، ولتستعيد تونس أمجاد عروبتها وإسلامها، ولتنعم تونس ببهجة الحياة، وطعم الكرامة والعزة من جديد.. وكذلك فإن كل عوامل الخوف، والجوع، والرعب، والقمع، والطبقية لم تمنع شعب مصر من إسقاط ذلك الطاغية، ومن القذف بذلك النظام البوليسي القمعي التسلطي الاستبدادي إلى أعماق الجحيم.. لقد كان ما جرى في تونس، وما جرى في مصر صفعة مزلزِلة، ولطمة مجلجلة، أطارت النوم من عيون الغربيين، وأصابت الغرب بشقّيه الأمريكي والأوروبي بصدمة أفقدته توازنه، وأرغمته على إعادة النظر في حساباته، وعلى إعادة النظر في مواقفه من هذه الأمة العربية التي استجاب القدر لإرادتها.

    وزيرة خارجية أمريكا تُغِذُّ الخطى إلى تونس، وتُغِذُّ الخطى إلى القاهرة، وهي في زياراتها تهدّئ من روع الناس، وتقف إلى جانبهم، وتُعرِب عن إيمانها بحق العرب في العيش بكرامة واحترام، وبحق العرب في نظام سياسي حر يقوم على التعددية، ويقوم على حرية الاختيار، وعلى الديمقراطية التي لا بد منها، ولا غنًى عنها سبيلاً للنزاهة في الحكم، والشفافية في الأداء، وسبيلاً للخلاص من كل هذه المشكلات والأزمات والاضطرابات التي تعصف بهذه الأمة العربية من محيطها إلى خليجها.. والرئيس الأمريكي هو الآخر يتابع ما يجري، ويوجه التحية إلى الثوار العرب، ويُبدي تعاطفه مع هذه الأمة العربية، ثم يحشد الحشود، ويوجه الأساطيل الجوية والبحرية، لحماية الشعب الليبي من قوات العقيد التي تتوعده بالموت الزؤام إن هو لم يتراجع عن تمرده وعصيانه، وإن هو لم يعد صاغرًا إلى حكم العقيد، وكتابه الأخضر، وشِعره الرائع المجيد بشهادة الشاعر الفِلَسطيني هارون هاشم رشيد.. الغرب بشقيه يدّعي الوقوف إلى جانب الشعوب العربية في ثوراتها وهبّاتها الشعبيّة، ضد الظلم والفساد وأمور أخرى، والغرب كله يتناسى في خضمّ هذه الحوادث والأحداث التي تعصف بوطن العرب، وفي غمرة هذه المشاعر الطيبة التي يبديها تجاه أمة العرب، أن كل ما يجري على الأرض العربية من سوء هو من فعل أدواته، ومن فعل أعوانه، ووكلائه، وأن كل ما تعرّض له وطن العرب على امتداد القرنين الماضيين لم يكن إلا بفعل الغربيين، وعدوان الغربيين، وغزو الغربيين، واحتلالهم للأرض العربية، وأن كل ما تعرض له وطن العرب، ولا يزال من تمزيق، وتفتيت، ونهب، وسلب، واستباحة، وما يتعرض له المواطن العربي من ألوان الموت، إن هو إلا الثمار المُرّة لهذا الغزو الغربي، والتدخل الغربي، والتخطيط الغربي، لفرض السيطرة الغربية المُطلَقَة على كل أرض العرب، وعلى كل أرض المسلمين أيضًا...

     الولايات المتحدة الأمريكية صاحبة الأيادي البيضاء على العرب، وعلى المسلمين، وعلى اليابانيين، وعلى كثير من شعوب هذا العالم الثالث في آسيا، وإفريقيا، وأمريكا اللاتينية، وصاحبة آلاف الآلاف من مليارات الدولارات التي تصدرها بدون رصيد، وبدون ضمانات، وبدون تغطية، وبدون أي اعتبار لأحد، وبدون أدنى اعتبار لشيء سوى القوة، والعربَدة، والسيطرة على كل ثروات العرب والمسلمين، وكل ذهبهم الأسود، والأحمر، والأصفر المسخّر في خدمة هذه الأوراق النقدية الأمريكية المسخرة بدورها لدعم كافة المشاريع العدوانية الاستبدادية المعادية للشعوب، وتطلعاتها، وأحلامها، وطموحاتها في هذا العالم.. الولايات المتحدة هذه زعيمة المعسكر المعادي للشعوب في هذا العالم تعلن نفسها اليوم صديقة للشعوب تمامًا كما أعلنت ذلك في أعقاب الحرب العالمية الثانية، بعد خروجها منتصرة من تلك الحرب، وبعد أن أرعبت البشرية بقنبلتيها الذريتين اللتين قصفت بهما هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين.. ولئن كانت الصداقة الأمريكية المعلَنة في تلك الأيام قبل ستين عامًا بالكمال والتمام في هذه الديار الفلسطينية بعد أن مزقتها النكبة، وفي كثير من ديار العروبة والإسلام متمثلةً في كميات من الدقيق، تقدمها أمريكا في أكياس بيضاء أنيقة، يأكل الناس ما فيها من دقيق، ثم يخيطها كثير منهم بعد ذلك ملابسَ تستر عوراتهم، وقد لا تسترها!! وقد كُتبت عليها هذه العبارة: " تقدِمة من شعب الولايات المتحدة الصديق"،  وقد رُسمت على هذه الأكياس يدان تتصافحان،  إحداهما اليد الأمريكية التي رُسم عليها العلم الأمريكي، والثانية بالطبع، يد فلسطينية، أو عربية، أو غير عربية.. ولئن كانت الصداقة الأمريكية المعلَنة آنذاك "أفلامًا" ثقافية، يعرضها الأمريكيون على واجهات المنازل، في كل قرى هذه البلاد، وفي كل مدنها ومخيماتها، ولئن كانت أيضًا معونات، وتسهيلات، ومساعدات تقدمها أمريكا للشخصيات وللأنظمة، والحكومات التي أقامتها في أوطان العروبة، وديار الإسلام، فإنها اليوم أكثر تطورًا، وأشد أثرًا، وتأثيرًا.. إنها أسلحة.. ووسائل فتْك ودمار، ووسائل إعلام تحرّك كثيرًا من الناس، وتوقظ كثيرًا من الخلايا النائمة، وتعمل جاهدةً على خلط الأوراق، ودبلجة الصور والأخبار، وإخضاعها للأهداف الإعلامية المتوخاة، والغايات الإعلامية السياسية المبتغاة، وإنها أيضًا طائرات وغواصات وقذائف موجهة تقصف من تشاء، وتفتك بمن تشاء، وترعب من تشاء، وتتوعد من تشاء.. وإنها كذلك إشارات وتلميحات وإنذارات وإخطارات وتصريحات وتهديدات ينبغي أن نتوقف عندها، لنلمّ بمضامينها ومغازيها، ولنقف على كل ما تضمنته من إشارات ومعان، وما تستوجبه من ردود شعبية ورسمية على حد سواء.

    الغرب بشقيه، وعلى الرغم مما بين دولهِ من خلافات وخصومات بفعل هذا التنافس المحموم فيما بينها على اقتسام أرض العرب، وثروات العرب، وإقامة المشاريع على كل أرض العرب، إلا أنه يتفق على أن ما أصابه في تونس، وما أصابه ويصيبه في مصر هو كرب عظيم، وتهديد لآماله وأطماعه ومشاريعه على كل أرض العرب.. والغرب بشقيه يعلم يقينًا أن أمة العرب، على علاتها، وعلى الرغم من كل الحملات الثقافية الغربية المتعاقبة التي استهدفتها، وعلى الرغم من كل عقود القمع، والإذلال، والتنكيل بكل أشكاله وصوره التي استبدّت بأوطانها وإنسانها، وعلى الرغم من كل الصفقات التي عُقدت، والمليارات التي بُذلت، لشراء الولاءات، وإنشاء هذه الجيوش من الأجهزة الأمنية السرية والعلنية أيضًا، وعلى الرغم من كل الهزائم التي مُنيت بها على امتداد تاريخها الحديث.. هذا الغرب يعلم يقينًا رغم كل ذلك أن أمة العرب مازالت قادرة على الفعل، وأن أمة العرب ما زالت قادرة على امتلاك ردود الأفعال المناسبة على كل أفعال الغربيين، وعلى كل محاولاتهم المستميتة للسيطرة على الوطن العربي، وهذا العالم الإسلامي الذي لا تحده حدود.

    والغرب بشقيه متفق أيضًا على ضرورة التصدي لما يحدث في تونس، ولما يحدث في مصر، وعلى ضرورة خلط الأوراق في ليبيا، وفي اليمن، وفي البحرين، وفي كل مكان ومكان من هذا العالم العربي الذي يغلي بالثورة والتمرد، ويضطرم بنيران التحرر والانعتاق من عسف القيود والأغلال التي رَسف بها، ولا يزال يرسف حتى أدمت رجليه، وأدمت قدَميه، وأدمت يديه، ومعصميه، وأدمت منه العين والسمع والفؤاد.. الغرب متفق على هذا كله، ويبدو مصرًّا كل الإصرار على ضرب روح الثورة العربية، والخروج بها عن مسارها، والتحكم بخط سيرها، والعبث بها، وتسليط أعوانه، وأتباعه، ومنتسبي أجهزته عليها، حتى يتم له تفريغ الثورة من معانيها ومضامينها، والعودة بها ذليلة صاغرة إلى أحضان الغرب من جديد.. ففي كل أقطار العروبة استنفار ومستنفرون، وتأهب ومتأهبون، واستعدادات ومستعدون ومستعدات.. وفي كل أقطار العروبة يقظة أجهزة، ويقظة حكومات، ويقظة دوائر أمن، ومخابرات، واستخبارات هدفها امتصاص نقمة الشعوب، وإرضاؤها بشيء مما قد يصرفها عن أهدافها وغاياتها، وبشيء مما قد يكون حلاًّ وسَطًا يُبقي على الأوضاع مستنفرةً في هذه البلدان، ويُرضي غرور الثوار والثائرين، ويحقق لهم كثيرًا من المطالب والأهداف، ويشركهم في الحكم، ويعطيهم نصيبًا من "الكعكة" ولكنه لا يسلمهم مقاليد الأمور إلا إذا أعطوه الولاء، والتزموا بتنفيذ سياساته، والتقيد بتوجيهاته وتعليماته، وكانوا عونًا له في محاربة أدوات أعوانه ووكلائه السابقين، ليكونوا وكلاءه اللاحقين، وليكونوا المحظيين الفائزين برضاه، ورضى شعوبهم، وليكونوا أيضًا الوارثين، والأمر لم يُحسم بعد، والباب ما زال مفتوحًا، والاستعدادات على حالها.

    أما سوريا فقد استُثنيَت حتى الآن من هذه القاعدة الذهبية التي يعتمدها الغرب الآن أساسًا لحل خلافاته، وتسوية أموره مع الناس في كثير من بلاد العروبة شعوبًا، وحكومات، وأنظمة حكم.. ويبدو أن الغرب يفكر جديًّا الآن بأن يربح في سوريا ما خسرهُ في مصر وتونس، وأن يُلحِقَها بالعراق، ليكون لها ما كان للعراق من دمار وخراب وخسائر لم تشهدها هذه البلاد حتى في عهود الصليبيين والتتار الذين اجتاحوا هذه البلاد، وكأنهم على ميعاد!! الغرب يفكر الآن بضرب سوريا، وهدمها، للخلاص من توجهاتها القومية، وأفكارها العروبية، وتحالفاتها الإقليمية، وعلاقاتها العربية، وصِلاتها التاريخية الثقافية الاستراتيجية بلبنان وفلسطين، وللخلاص أيضًا من مجموعة الأفكار والثوابت التي حسمت سوريا للعروبة والعرب، وميزتها عن كثير من أقطار العروبة والعرب، ولوضع العِصيّ في دواليب الوِحدة المصرية السورية التي بدأت تلوح في الأفق مع إشراقة شمس ثورة الخامس والعشرين، ولإحباط كل محاولات الإصلاح والتغيير التي تشهدها سوريا منذ سنوات، ولمعاقبة سوريا والسوريين، على تلك الأخطاء والهفوات التي ارتُكبت في الماضي، عندما كانت سوريا محاصَرة محاطة بالأعداء من كل جانب، مستهدَفة، لا تكاد تدري ما تفعل، ولا تكاد تعلم أين المفر، وقد أحكمَ الطامعون الواهمون عليها الخِناق..

    سوريا التي خرجت منتصرة مرفوعة الرأس من أزماتها التي افتعلها الغرب، وافتعلتها معه أنظمة عربية معينة، وقوًى عربية بعينها، وسوريا التي ما تنكّرت يومًا للمبادئ العربية، والثوابت العربية، والقيم العربية، والأهداف العربية في الوحدة، والتحرر، والتطور، هي سوريا التي يريد لها هذا الغرب الأمريكي اليوم أن تركع، ويريد لها هذا السيد الأمريكي اليوم أن تخضع ،ويريد لها هذا المجتمع الدولي الذي يتحدثون عنه اليوم أن تستسلم لأوهام الواهمين، وأحلام الحالمين..  سوريا العربية التي تفاءلت واستبشرت بثورة الخامس والعشرين في مصر، هي سوريا التي تريد لها الولايات المتحدة اليوم أن تتنازل عن وحدة شعبها، وأن تتنازل عن مبادئها وثوابتها، وأن تتنازل عن سياساتها العربية والإقليمية التقدمية التحررية، وأن تصبح كما تريد لها أمريكا تابعًا لها، ينفذ سياستها، ولا يضع العصي في دواليب هذه السياسة..

    وشعب سوريا الذي يدرك كل هذه الحقائق عَصِيٌّ كوطنه العربي السوري على هذه السياسة الغربية الأمريكية التي تريده صدًى لصوتها.. إن الشعب السوري، وإن شعوب الأمة العربية دون استثناء، وإن شعوب العالم الثالث أيضًا هي شعوب حرة متحررة تحارب من أجل عزتها وكرامتها وتطور أرضها وأوطانها، ورفاء إنسانها، وحماية مقدّراتها من عبث العابثين، وعدوان الطغاة المعتدين، وإن شعب سوريا الذي تربطه أواصر القربى والمحبة بشعوب الأمة العربية، وبكثير من الشعوب في هذا العالم، لا يأبه بكل هذه التهديدات التي يسمعها، والإنذارات، والإخطارات التي ترد إلى ساحاته تباعًا، وإنه قادر على التصدي لكل ما يفتعله هؤلاء وأولئك على أرضه، ولكنه غير راغب في المواجهة مع هذه العناصر والخلايا التي يحركها أولئك المتربصون، لإدراكه أن هذه المواجهات ستكون خطيرة، وستكون مدمرة، وستفضي إلى أحقاب من العِداء والكراهية، وأزمان من الشك، والريبة، والقطيعة، والقلق،والنفور، والخوف من المجهول، وأنها ستهدم ما بُني في تاريخ سوريا الحديث، وما تم إنجازه تحديدًا في العقد الأخير من تاريخ هذا القطر.. ولكن الشعب السوري الذي يرغب يقينًا في حلول سريعة لهذه الأزمة المُفتعَلة بعيدًا عن العنف، وسفك الدماء قادر على حسم الأمور، وقادر على التصدي لهذه الفتنة، وقادر على وضع حد لعبث العابثين، وعدوان المعتدين، وتآمر المتآمرين، وإن كان يرغب يقينًا في منح الفرصة لكثير من أولئك المضلَّلين كي يثوبوا إلى صوابهم، وإلى وعيهم وإدراكهم، ولكثير من أولئك المتآمرين كي يكفّوا عن تآمرهم.. وإن الشعب السوري، وإن الدولة السورية، وإن الأحرار العرب في كل هذه الديار السورية، وفي كل أوطان العروبة، قادرون على لجم الفتنة، وقادرون على وأدها، وقادرون على التصدي لكل مظاهر الفساد والانحراف، ولكل قوى الثورة المضادة، ولكل هؤلاء العابثين المتربصين، ولكل هؤلاء المتآمرين المأجورين الضالين ممن ربطوا مصائرهم بمصائر أعداء هذا الوطن العربي، وبأعداء هذا الوطن السوري، وارتضَوا لأنفسهم أن يكونوا جزءًا من المؤامرة التي تستهدف أوطانًا عربية، وتستهدف شعوبًا عربية، وتستهدف أمة عربية واحدة موحدة فوق كل أرض العرب.

     إن هذه الأحداث التي تعصف بالعالم العربي من أقصاه إلى أقصاه، وإن هذا الغضب الشعبي العارم الذي يجتاح كثيرًا من أوطان العروبة، وإن دخول الغربيين، وركوبهم موجة هذه الأحداث، ومحاولاتهم المستميتة لاستغلال هذا الغضب، وهذا التمرد، وهذه الثورات العفوية البريئة التي فجّرها كثير من شباب العرب الشرفاء، وكثير من شابّاتهم، وكثير من أحرارهم، وحرائرهم كبارًا وصغارًا، وإن كل ما يجري على هذه الأرض العربية الطيبة من محاولات لخلط الأوراق، ومحاولات لضرب أنظمة عربية معينة لأنها تؤيد المقاومة والمقاومين، ولأنها ترفض المساومة على الحقوق والثوابت، وتتمسك بالمبادئ والقيم، والمُثل العربية، إن هو إلا اختبار لقوى الثورة العربية، واختبار لتماسك الصف الداخلي العربي، واختبار للوعي العربي، واختبار للإرادة العربية، والثقافة العربية، والهوية العربية، والأخلاق العربية، والثوابت العربية، والحقوق العربية في الوحدة، والتحرر، والحرية، والتطوير، واستعادة الأوطان، والحقوق، والمقدّرات، والمقدسات.. وإن أحداث العالم العربي إن هي إلا اختبار لتضامن قوى الثورة وتماسكها، ومقدرتها على التصدي للمخططات الغربية الاستعمارية المعادية، ومقدرتها على صنع الغد العربي المشرق العزيز لأمة عربية واحدة موحدة حرة كريمة قوية مرهوبة الجانب فاعلة في التاريخ أبية عصية على الطغاة وعلى الغزاة المعتدين.. الدنيا تنتظر الإجابة، وتنتظر نتيجة الاختبار، وتنتظر الرد العربي الرسمي الشعبي الواحد الموحَّد على كل محاولات الهيمنة، والعدوان، والتزوير، وخلط الأوراق، والطغيان، ومحاولات إلحاق هذا الوطن العربي، ومعه كل ديار الإسلام أيضًا بالغرب.. الدنيا كلها تنتظر الإجابة، والدنيا كلها تنتظر نتيجة ما يحدث في هذا العالم العربي اليوم من حوادث وأحداث، والدنيا كلها تدرك أن أحداث العالم العربي هي اختبار لقوى الثورة العربية، وهي أيضًا اختبار لقوى الثورة المضادة وخلاياها النائمة.

18\4\2011

     

ليست هناك تعليقات: