متابعات
فعاليات إحياء ذكرى النكبة.. دلالات واستنتاجات
أ. عدنان السمان
لقد أحيا العرب الفلسطينيون في الجليل والمثلث منذ أيام الذكرى الحادية والستين للنكبة بمهرجانات ضخمة شارك فيها فلسطينيو الداخل على اختلاف فئاتهم العمرية، وتوجهاتهم السياسيّة، ومستوياتهم الاقتصادية والاجتماعية.. كما أحيا فلطسينيّو أوروبا هذه الذكرى أيضًا بمهرجان خطابي حاشد شاركت فيه شخصيات فلسطينية دينية وسياسية من فلسطينيي الداخل، والأراضي الفلسطينية المحتلة منذ العام سبعة وستين.. وها هم العرب الفلسطينيون في لبنان وسورية وغيرهما من بلاد العرب يحيون هذه الذكرى في الوقت الذي تشهد فيه مدن الضفة الغربية ومخيماتها وقراها، وسائر المدن والقرى والمخيمات في قطاع غزة مسيراتٍ ومهرجاناتٍ واحتفالاتٍ صاخبةً إحياءً لهذه الذكرى الحادية والستين للنكبة.
الشعب العربي الفلسطيني بنصفه المقيم هنا على أرض الوطن، ونصفه المقيم هناك خارج أرض الوطن يحيي هذه الذكرى، ويجدد العهد والقسم والإصرار على العودة إلى هذه الديار، واستعادة الحقوق الفردية والجماعية.. الوطنية والدينية.. القومية والتاريخية.. الثقافية والحضارية لهذا الشعب في أرض وطنه فلسطين... فما الذي يعنيه إحياء ذكرى النكبة؟ وما الذي تعنيه كل هذه الاحتفالات، وكل هذه المِهرجانات، والمسيرات، والتظاهرات؟ وما الذي يعنيه كل هذا الإصرار على تحقيق الأهداف في العودة، والعيش الكريم الحر على أرض الوطن ؟ وما الذي يعنيه كل هذا الإصرار على عودة القدس حرة عربية كما كانت قبل أن تطأها أقدام الغزاة المحتلين؟ وما هي الدلالات التي ينطوي عليها كل هذا الإصرار، وتشتمل عليها كل هذه الفعاليات التي أجريت وتُجرى وستُجرى داخل الوطن وخارجه؟ وما هي الاستنتاجات التي يستخلصها المراقبون والمحللون السياسيون المحايدون بعيدًا عن الهوى والتعصب والانحياز، وبعيدًا عن كل مظاهر التأثر بالغرور والتزوير والاستغفال والاستكبار؟
إحياء ذكرى النكبة يعني رفضها، والعمل على تجاوزها، وتصحيح مسار الحوادث والأحداث التي أدت إليها، ومعالجة أسبابها ومسبباتها للخروج من نتائجها، وما أفرزته هذه النتائج من آثار، وما أحدثته تلك المؤثرات والعوامل من أضرار... والذي تعنيه هذه الاحتفالات، والمهرجانات، والمسيرات، والتظاهرات هو حركة التاريخ النشطة الفاعلة نحو الهدف.. وما التاريخ إلا هذا السجل المفتوح للتغيرات والمتغيرات التي تحدثها الأجيال المتعاقبة في تواصلها، وفي مسيرتها الواحدة الموحدة منطلقاتٍ ورؤًى ونظرياتٍ وأهدافًا... وما الإصرار هنا إلا هذا الإصرار المطلق على عودة الروح إلى الجسد، وإذا كانت فلسطين جسدًا، فإن القدس هي الروح.. وهيهات أن تكون هنالك حياة بعد فصل الروح عن الجسد!!
أما الدلالات التي ينطوي عليها هذا الإصرار، وتشتمل عليها هذه الفعاليات التي أجريت وتُجرى وستجرى حتى تحقيق الغايات والأهداف فهي أن كافة الممارسات التي اتُّخذت بحق هذا الشعب، وأن كافة التوقّعات التي بُنيت على هذه الممارسات قد كانت ممارساتٍ خاطئةً، وتوقعات جانَبَها الحدّ الأدنى من الصواب وبُعد النظر، وأن كل ما قيل من أن الكبار يموتون، والصغار ينسون هو قول تقف على سذاجته آلاف الأدلة والبيّنات.. فالكبار كانوا أساتذة ومعلمين، والصغار كانوا تلاميذ نجباء ساروا على خطى المعلمين والآباء.. وإن لهذا كله معنًى واحدًا هو أن التجديف ضد التيار صعب، وأن مخالفة قوانين الطبيعة أمر محكوم عليه بالفشل، وأن حبل الافتراء والكذب والتزوير قصير، وأن الطمع ضرَّ وما نفع، وأن الليل مهما طال زائل، وانه لا يصح إلا الصحيح.
وأما الاستنتاجات التي يستخلصها اليوم كافة المراقبين والمحللين السياسيين الموضوعيين المحايدين فهي أن ما بُني على باطل فهو باطل، وأن الشعوب لا تموت، وإنما تمر في دورات كالدول، وأن مَن سلَّ سيفَ البغي قُتل به لا محالة في نهاية المطاف، وأن الظلم مرتعه وخيم، وأن مَن حفر حفيرًا لأخيه كان حتفه فيه...صحيحٌ أن هذه هي لغة الأدب والأدباء والمتأدبين، وليست لغة السياسة والسياسيين والمتسيسين، وصحيحٌ أن هنالك حدودًا وفواصل بين هذه اللغة وتلك، وان ما يستقيم بتلك لا يستقيم بهذه...ولكنْ صحيحٌ أيضًا أن لغة الجسد لا تختلف كثيرًا عن لغة اللسان.. فهذه ترجمةٌ لتلك، وتعبير عنها في كثير من الأحيان... وصحيحٌ أيضًا أن كثيرًا من القادة العسكريين، وكثيرًا من القادة والمحللين والمفكرين السياسيين كانوا من الشعراء، وكانوا من الأدباء، بل ربما كانوا من أعلام الأدب... وربما وقف المرء عاجزًا عن الفعل أمام مشهد يجلله بالسواد طاغيةٌ أو ظالمٌ جاهلٌ مستبدّ، فلجأ إلى لغة الأدب يعبّر بها عن مكنونات فؤاده، ولواعج نفسه واضطرامها، وتوقّد روحه وجموحها.
14/5/2009
Hotmail® goes with you. Get it on your BlackBerry or iPhone.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق