متابعات
أبو مروان.. في ذكراه الرابعة
أ. عدنان السمان
أنتَ طيفٌ أنتَ فكرٌ أنت شمسٌ لا تغـــيبْ
أربعٌ مرت لعمري مؤلمٌ فقدُ الحبـــــيب
يا أبا مروانَ حدِّقْ خاطب الشعـــبَ الأمينْ
بــ"جهادٍ" ثم "قدسٌ" في جمـــوع اللاجئينْ
يا بــلادي قد أتينا نزرعُ المـــجد بتربكْ
والأماني سوف تحيا أبد الدهــــر بقدسكْ
الحديث عن أبي مروان، كالحديث معه، ممتع يقف المرء من خلاله أمام قيمة عظيمة من القيم، ومعنى كبير من معاني الحياة المزهرة أبدًا، والمورقة على مدى الدهر.. وهو حديث يصغي فيه المرء بكل وجدانه وأحاسيسه لرجل استثنائي عاصر حالة استثنائية من حالات شعبنا العربي الفلسطيني، بل من حالات أمتنا العربية في تاريخها الحديث...والحديث عن هذا الرجل أيضًا حديث حافل بالدروس والمواقف.. غني بصلابة العود، والإصرار على تحقيق الهدف.. تمامًا كالحديث عن " الجهاد"، وكالحديث عن " القدس"، وكالحديث قبل ذلك عن " الدفاع" حيث عمل محمود أبو الزلف في هذه الصحيفة اليافاوية، قبل النكبة.. كما عمل فيها أيضًا بعد النكبة عندما صدرت من جديد في مدينة القدس مع زملائه إبراهيم وصادق الشنطي، ومحمود يعيش، وسليم الشريف قبل صدور الجهاد في مستهل العام واحد وخمسين وتسعمئة وألف.
لا أريد هنا أن أتحدث عن تاريخ الصحافة في فلسطين، ولا عن صدور صحف عربية أربع في مدينة القدس بعد النكبة دُمجت في اثنتين بعد ذلك هما: " القدس" و" الدستور" حيث صدر العدد الأول من " القدس" في مدينة القدس العربية في اليوم الحادي والعشرين من شهر آذار من عام سبعة وستين وتسعمائة وألف، ولا أريد هنا أن أتحدث عن إغلاق "القدس" في الخامس من حزيران من ذلك العام، ولا عن استئناف صدورها في التاسع عشر من شهر تشرين الثاني من العام ثمانية وستين وتسعمائة وألف...
ولكنني أريد أن أتحدث بإيجاز عن هذا الرجل الاستثنائي الذي دخل أبواب الصحافة في فلسطين شابًّا يافاويًّا جامعيًّا مثقَّفًا ذا تجربة غنية بالإبحار، وما يثيره الحديث عن الموانئ في قلوب الشباب ونفوسهم من رغبات وطموحات وآمال.. ثم أصبح واحدًا من أعمدة الصحافة العربية في فلسطين، وركنًا من أركانها، وعلمًا من أعلامها، وحصنًا من حصونها، وقلعة قوية من قلاعها قبل أن يصبح عميد الصحافة العربية في فلسطين بدون منازع.
جئت لأكتب شيئًا عن النجاح الذي حققه هذا الراحل الكبير الذي استطاع بثقافته، وتجربته، وعصاميته، واعتداده بذاته، وإصراره، وسهر الليالي أن يبني لهذا الشعب منارةً خالدة على مر الأيام، وتعاقب الأجيال تهتدي بنورها السفن والمراكب في الليالي الحالكة السواد.. لقد نجح الراحل الكبير في تحقيق هذا الإنجاز الإعلامي العظيم الذي يُعتبر بحق مأثرة من مآثر هذا الشعب الذي أنجب عميد الصحافة العربية في فلسطين.
جئت في الذكرى السنوية الرابعة لرحيله لأقول: حسب فقيدنا الكبير شرفًا أن بنى هذا الصرح الإعلامي الشامخ الذي نفخر به ونفاخر حيث حمل لواء القضية الفلسطينية على امتداد العقود الستة الماضية، ولا يزال يحمل بأمانة وثقة وشرف واقتدار عبء هذه القضية.
وجئت في هذه الذكرى لأقول: حسب هذا الصرح الإعلامي الشامخ الذي بناه الراحل الكبير عظمةً وشرفًا هذه الوجبات الرائعة المختارة المنتقاة من المقالات الهادفة المنوعة التي يقدمها للقراء يوميًّا بأقلام كثير من الكتّاب المحليين والعرب والأجانب- من الأصدقاء وغير الأصدقاء- وهذه الحوارات والنقاشات التي تثري قضايانا المختلفة، وتساهم في تجذيرها، وتعميقها، وصيانتها، وتعهّدها بالكلمة الأمينة الشجاعة الصادقة، والفكرة النظيفة الناضجة كي تبقى قادرة على الوقوف بقوة وصلابة وثبات في وجه العواصف والأعاصير وكل عوامل التعرية والتقلّبات الجوية، وكل رياح الشك والإحباط والتثبيط التي تهبّ عليها بهدف اقتلاعها وشطبها عن خارطة الأحداث في هذه المنطقة من العالم .
وحسبك يا أبا مروان أن صنعت من " القدس" مدرسة للأجيال يتخرج فيها الأدباء، والكتّاب، والشعراء، والمفكرون، والسياسيون، والتربويون، والإعلاميون جيلاً بعد جيل.. يجسّدون هذا التواصل الرائع بين الأرض وأبنائها في كل يوم، بل في كل ساعة، وعلى امتداد الدقائق والثواني التي تتشكل منها أعمارنا مهما طال بنا الأمد.. كما يجسّدون هذا التواصل بين هذه الأجيال المتعاقبة من أبناء شعبنا المعطاء وبين هذا الصرح الإعلامي الشامخ شموخ جبال هذا الوطن، وشموخ نفسك الأبية النابضة بحب هذا الوطن يا أبا مروان.
وحسبك يا صاحب هذه الذكرى التي تسيل فيها نفوسنا دمعًا وألمًا أنك جمعت كثيرًا من تناقضات هذا العصر في يدك، وسخرتها لخدمة قضايا شعبك ووطنك... لقد كنتَ مقدامًا خضت غمار الصعاب، وأتقنت التحرك في الزمن الذي كثر فيه خلط الأوراق.. ومضيت إلى أهدافك التي حددتها شهابًا يشق جوف الظلام.
1/4/2009
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق