متابعات
أما آن لهذه المجازر أن تتوقف ؟؟
أ. عدنان السمان
www.samman.co.nr
إن هذا الذي يجري في غزة أمر لا يصدقه العقل، ولا تحيط به الكلمات، ولا يقره عرف، أو يرضى به دين.. هذه المذابح، وهذه الدماء، وهؤلاء الأطفال، وهؤلاء الشيوخ، وهذه الحرائق، وهذا الدمار ليس شيئًا من صنع الخيال ونسجه، وليس شيئًا من هذه الحكايات الخيالية، والخرافات التي تناقلتها الأمم والشعوب منذ تلك الأزمنة الموغلة في القِدم والبدائية.. والمغرقة في الهمجية والتخلف والجنون... ليس هذا كله شيئًا مما قرأه الناس عن اجتياح المغول لبلاد المشرق الإسلامي وصولاً إلى بغداد ودمشق وانتهاءً بعين جالوت.. وليس شيئًا مما قرأه الناس أو سمعوه عن تلك الحملات التي شنتها أوروبا على هذا الوطن العربي ممثَّلاً في بلاد الشام ومصر وصولاً إلى دمشق والمنصورة وغزة والقدس ولا أقول انتهاءً بحطين... هذا الذي يجري في غزة ليس شيئًا مما سمعناه أو قرأناه عن أهوال الحربين العالميتين الأولى والثانية، وما حصل خلالهما من مجازر ومآس وويلات ونكبات.. ، وليس شيئًا مما حدث في أثناء حروب الوحدة في ألمانيا وإيطاليا,وليس شيئًا مما حدث في كثير من بلدان أوروبا وآسيا منذ أقدم العصور, وليس شيئًا مما حدث في جنوب إفريقيا ذات يوم !!
إن هذا الذي يجري في غزة شيء مختلف، شيء خالٍ تمامًا من المبالغة، لم يساهم في صنعه الخيال، بل لا يستطيع الخيال له فهمًا أو تصديقًا أو وصفًا مهما كان هذا الخيال بدائيًّا أو همجيًّا أو شرّيرًا، وهو خالٍ تمامًا من تأثير الكلمات ومن سحر البيان الذي يتحدثون عنه.. هذه الصور وحدها فيها ألف دليل ودليل، وألف شاهد وشاهد على أن هذا الذي جرى ويجري في غزة أمر فظيع فظيع.. لا يصدقه العقل، ولا تحيط به الكلمات.. أمر تتبرأ منه الأسباب والمسببات، ولا تخضع فيه النتائج للمقدمات ، وتحار في فهمه المبادئ والقواعد والقوانين والنظريات ، وتقف أمامه واجمةً مشدوهة كل ما في القاموس الإنساني من تكتيكات واستراتيجيات، وكل ما في الكون من حجج ومسوغات, إنه الموت الموت..إنه تطاير الأشلاء في البيوت والطرقات والمدارس والمساجد والجامعات.. إنه الموت الموت, وتطاير أشلاء وتطاير أشلاء الأطفال والنساء والشيوخ والشباب في الشوارع , في الزوايا, في الأزقة والساحات!!
إن هذا الذي يجري في غزة ، وما سيجري فيها أيضًا من تقتيل وتنكيل واغتيال وتقطيع للأوصال وسفك للدماء وسحق وقتل وترويع للأطفال ... ما جرى في غزة، وما يجري, يتطلب من كل مراقب منصف محايد أن يكون أولاً وقبل كل شيء شاهدًا على هذه المرحلة من قضية هذا الشعب وتاريخه، شاهدًا على ما حاق به من ظلم وجوعٍ وخوفٍ وموت، وما لحق به من عسف وخسفٍ ورعبٍ وامتهان، شاهدًا على الصمت المريب الذي يغشى مؤسسات المجتمع الدولي، شاهدًا على عجز هذه المنظمة الدولية، وفشلها في تنفيذ قرار تقف فيه إلى جانب شعب يصارع منذ مئة عام دفاعًا عن حريته وعزته وكرامته وحرية وطنه.. كما يتطلب منه أن يقف إلى جانب هذا الشعب في مطالبه العادلة المشروعة في الحرية والتحرر والاستقلال والخلاص من العدوان، وأن يفعل ما يمليه عليه ضميره تجاه هذا الشعب المنكوب المنكوب المحاصر الذي لم يعد يملك من حطام الدنيا شيئًا.
وإن هذا الذي يجري في غزة جدير أن يبعث الحياة والحركة في الجامعة العربية كي تقوم بواجبها تجاه الأهل ، وكي توقف هذا الجحيم الذي تحترق بأهواله ونيرانه عيون الأطفال في غزة، و تحترق بأهواله ونيرانه قلوبهم وقلوب أمهاتهم.. الجامعة العربية مدعوة الآن لوقف هذه المحرقة التي يتعرض لها الأهل في غزة، وبسط الحماية عليهم، وإنقاذهم مما هم فيه من موت ونزف ورعب ودمار... الجامعة العربية تستطيع أن توقف هذه المحرقة وأن تضع حدًّا لهذه المجزرة، وأن ترفع الضيم عن غزة , وأن تنقذ أطفالها ونساءها وشبابها وشيوخها مما هم فيه لو أرادت!! فإلى متى الصمت؟ وإلى متى التردد؟ وإلى متى العجز يا جامعة العرب؟ إن الشارع العربي يستطيع أن يفعل كثيرًا من أجل غزة، وإن أمة الإسلام هي الأخرى تستطيع أن تضغط ، وأن تؤثر، وأن تغير المعادلات، وقواعد الصراع في هذه المنطقة، وإن الأحرار، وحركات التحرر، وأنصار الحق والعدل والحرية في هذا العالم يستطيعون أن يساهموا في رفع الظلم والعدوان عن غزة.. فإلى متى هذا الصمت, وإلى متى كل هذا التخاذل والهوان, أما آن لهذه المجازر الرهيبة الرهيبة أن تتوقف ؟؟
وإن هذا الذي يجري في هذه الديار جدير أن يفتح أعين الإسرائيليين أنفسهم على النتائج المرعبة التي تؤدي إليها المجازر والمذابح، وأن يحفزهم بالتالي للتحرك السريع من أجل وقف هذا العدوان الصارخ غير المسبوق، وأن يدفعهم للسير في طريق العقل والتعقل وسيلةً لحلّ المشكلات، وصنع السلام العادل الدائم المقنع الشريف المتكافئ الذي من شأنه أن يضع حدًّا للموت والخوف والجوع والحصار والدمار... إن هذا الذي يجري في غزة أمر فظيع يضع المنطقة برمتها ولعقودٍ كثيرة قادمة فوق خزانات من البارود، وعليه فقد بات لزامًا على كل أنصار السلام ومحبيه ومؤيديه أن يعملوا في الحال من أجل وقف نزيف الدم، ورفع الظلم والعدوان عن الشعب العربي الفلسطيني، والعمل الجادّ من أجل إنصاف هذا الشعب، وإعادة حقوقه إليه, ورفع الحصار عنه, والكف عن إيذائه , والتحكم به, والعدوان عليه.. لأنه بغير ذلك لا يعتقد أحد أن يكون هنالك سلام.. وبغير ذلك ستظل المنطقة مسرحًا للخصومات، والصراعات، وكل أشكال التوتر، والحروب, وكل مظاهر الكراهية والعداوة والخصام.
6/1/2008
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق